ماذا جنت إيران من صفقتها الشهيرة مع العالم؟!
1-ثمانية أعوام بالتمام والكمال مرت على توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة بين جمهورية إيران الإسلامية ودول (5 + 1) والتى تعرف اختصارا بـ"الاتفاق النووى"، فهل حققت إيران نصرا سياسيا واقتصاديا من خلال هذا الاتفاق؟ وما هى المراحل التى مر بها؟ وما النتيجة النهائية للاتفاق؟ وكيف مثل صعود الرئيس ترامب نقطة تحول فى مكاسب إيران من الاتفاق؟ وما الذي تغير في عهد بايدن؟
هذا ما سنحاول الاقتراب منه عبر السطور التالية.
2- تولى الرئيس حسن روحاني السلطة في إيران رسميا يوم 3 أغسطس عام 2013م، وفور تقلده المنصب الرفيع حاول الوفاء ببرنامجه الانتخابي الذي كان قائما على تحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية للبلاد ومعالجة العجز الرهيب في الموازنة مع يقينه بأن ذلك لن يتأتى إلا من خلال الانفتاح على الغرب ومحاولة رفع العقوبات المفروضة منذ العام 1998 على أغلب القطاعات الاقتصادية للبلاد.
3- بالفعل لعبت السياسات الروحانية الخارجية في الشهور الأولى من دورته الرئاسية الأولى دورا كبيرا في تغيير معادلات العلاقات الإيرانية ـ الدولية على سبيل العموم، والعلاقات الإيرانية ـ الأمريكية بوجه خاص، فبعد توليه السلطة باثني عشر يوما أصدر روحاني قرارين مفصليين في سياسات إيران الخارجية، وهما تعيين محمد جواد ظريف، ممثل إيران الأسبق لدى الأمم المتحدة، والرجل وثيق الصلة بالإدارات الأمريكية، والذي تلقى تعليمه في جامعتى ولاية سان فرانسيسكو ودنفر الأمريكيتين إبان حرب الخليج الأولى، وزيرا للخارجية خلفا للوزير (المحافظ) علي أكبر صالحي، ثم سحب ملف التفاوض النووى من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الذي كان يقوده (المحافظ) سعيد جليلي وأسند الملف برمته إلى جواد ظريف.
4- ولقد كان لهذين القرارين أكبر الأثر في تغيير شكل العلاقات الإيرانية ـ الخارجية، خاصة بالقوى الكبرى، فقد نقلت وكالات الأنباء عن جون ليمبرت، الذي شغل منصب نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون إيران قوله: "عندما بدأ ظريف وفريقه المفاوضات في 2013 تغيرت الأجواء فى الغرفة تماما".
5- ثم تكلل ذلك بالتوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) فى مثل هذا اليوم، الرابع عشر من يوليو بالعام 2015م، بمدينة جنيف السويسرية، لكن هذه الخطوة لم تكن الأولى فقد سبق هذا التوقيع توقيعين آخرين تما على مرحلتين جوهريتين هما اللتين أوصلتا الاتفاق إلى الشكل الذي أميطت عنه اللثام في يوليو قبل ثمانية أعوام.
6- جاءت المرحلة الأولى للاتفاق في وقت باكر جدا من فجر الرابع والعشرين من نوفمبر بالعام 2013م، بمدينة جنيف السويسرية، أي بعد أقل من 4 أشهر على حكم الرئيس روحاني ما يعني نجاحه في الحصول على اختراق في الدبلوماسية الدولية، ومن خلاله وافقت إيران على التخلي عن أجزاء من خطتها النووية مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها، ويشار إلى هذا الاتفاق بـ"اتفاق جنيف الابتدائي الخاص بالبرنامج النووي الإيراني".
7- أما المرحلة الثانية والحاسمة فتمت في مدينة لوزان السويسرية أيضا، يوم 2 إبريل بالعام 2015 وحملت عنوانا تاريخيا "خطة إطار العمل حول البرنامج النووي الإيراني" ومن خلالها وقع وزراء الخارجية الأمريكي جون كيري والايراني محمد جواد ظريف والبريطاني فيليب هاموند والألماني فرانك والتر شتاين ماير والفرنسي لوران فابيوس ومنسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فدريكا موجريني ومساعد وزير الخارجية الروسي سيرجى ريابكوف ونظيره الصيني، اتفاقا إطاريا بهدف التوصل إلى تسوية شاملة تضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، وإلغاء جميع العقوبات على إيران بشكل تام.
8- من المؤكد أن إيران حققت عددا بالغا من المكاسب السياسية والاقتصادية والاستراتيجية بعد توقيع هذا الاتفاق، والأكثر تأكيدا أن الاتفاق تجاوز المسائل النووية المعقدة إلى تسويات سياسية وأمنية أوسع أتاحت من خلالها إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما للإدارة الإيرانية هامشا واسعا للعمل فى الإقليم بمظلة أمريكية في ضوء ترتيبات أوباما للانسحاب من المنطقة والتوجه إلى مواجهة الصين في أعالى بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان.
9- بالتالي كانت إدارة الرئيس أوباما، ووزير خارجيتها جون كيري، في ضوء ما عُرِفَ بـ"الدبلوماسية المثمرة"، تريد أن تعيد إيران شرطيا أمريكيا في منطقة الخليج والشرق الأوسط، كما كانت فى عهد الشاه محمد رضا بهلوي، وأن تتولى أمن حركة الملاحة وانتقال النفط من الخليج إلى أوروبا، غير أن انتقال السلطة بالبيت الأبيض في يناير 2017 كان له وقع آخر.
10- في 16 يناير من العام 2016 دخل الاتفاق النووى حيز التنفيذ وهرولت الشركات التجارية الأوروبية العملاقة على إيران وأبرمت معها عشرات الصفقات التجارية كانت أهمها وأضخمها صفقة تطوير المرحلة الحادية عشرة من حقل بارس الجنوبي الذي تم منح امتيازه إلى شركة توتال الفرنسية بقيمة 4,8 مليار دولار.
11- في تلك الأثناء توقع الرئيس حسن روحاني الحصول على استثمارات أجنبية مباشرة بما قيمته 50 مليار دولار غير أن تلك الاستثمارات، وفقا لتقارير دولية، لم تتخط 3,4 مليار دولار في 2016، وهو رقم أقل بكثير قطعا من الرقم الذي كان يلوح في أفق روحاني، فما الذى حدث؟!
12- الذى حدث أن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب أبدى رأيا مناقضا تماما لرأي أوباما حول التسوية مع إيران، وبالرغم من أنه لم يلغ الاتفاق ـ كما تعهد فى حملته الانتخابية ـ في أول عدة أشهر من ولايته الوحيدة؛ إلا أنه مارس عددا من الإجراءات العقابية ضد إيران، على خلفية برنامجها الصاروخى الباليستي ودعم الانقلاب الحوثى فى اليمن، حجمت تلك الإجراءات من انخراطها المأمول فى الاقتصاد العالمي، ومنها مثلا توقيع عقوبات على الإدارة الإيرانية والحجز على عقارات مملوكة للحكومة تقدر بما قيمته من 500 مليون دولار إلى مليار دولار في نيويورك فقط.
13- هذا إلى جانب تكوينه علاقات وطيدة بدول الخليج وتوقيع البيان الختامى لمؤتمر القمة الإسلامية ـ الأمريكية ـ العربية، ذلك الذي نص على اعتبار إيران دولة راعية وممولة للإرهاب، وشكل ذلك في حينه خصما من رصيد إيران الذي حصّلته إبّان علاقتها بإدارة الرئيس أوباما، إلى أن خرج ترامب كليا من الاتفاق ووقع 4 حزم عقوبات على إيران وصفها مستشاره للأمن القومي جون بولتون بأنها الأقسى في التاريخ.
14- ثم جاءت إدارة أمريكية جديدة برئاسة الرجل الذي كان نائبا لأوباما وهو جو بايدن الذي حاول جرجرة إيران بشروطه إلى طاولة مفاوضات في فيينا لمحاولة إنقاذ الاتفاق الذي كانت إيران قد تحللت منه على مراحل في عام 2019، وبعد نحو 8 جولات من التفاوض غير المباشر في العاصمة النمساوية وجولات أخرى في الدوحة ومسقط لم تنجح حتى الآن الجهود الدبلوماسية لإعادة الاتفاق إلى مساره.
15- عليه فإن مجمل الوضع بعد ثمانية أعوام من توقيع الاتفاق النووي أن النتائج الإيرانية المرغوبة لم تتحقق، وما يزال الرئيس إبراهيم رئيسي الذي ورث تركة روحاني الثقيلة يعاني من مشاكل هيكلية فى إدارة قطاعات اقتصاد بلاده الحساسة، وفقا لكل التقارير الدولية؛ ولذلك ـ ولأسباب أخرى ـ اضطر روحاني مرتين إلى رفع الدعم عن الطاقة، ورفع أسعار السلع الغذائية، وما تزال بلاده تعاني من مستوى مرتفع من البطالة، ونسب عالية من التضخم.
16- لكن في غضون ذلك حاولت إيران التقليل من خسائر فشل الاتفاق النووي من خلال إجراءات ذكية ومعقدة ومنها انضمامها إلى منظمة شنجهاي للتعاون وانخراطها في النزاعات العالمية، لا لشيء إلا لتسقط عدة عصافير بحجر واحد: تقلل من شأن النفوذ الأمريكي العالمي، وتكرس لنفسها مكانا في النظام الدولي الذي يعاد تشكيله، وتعيد علاقاتها المقطوعة مع الدول العربية المركزية، وتستثمر تناقضات وصراعات القوى العاملة في السياسة الدولية لتحقيق مصالحها بعيدا عن الاتفاق النووي.