دليل العقل والنقل على أن البشر ليسوا بحاجة إلى الأضرحة ولا إلى "الولي الفقيه"
١- في صلاة الصبح قرأ الإمام سورة الشورى كاملة على الركعتين، وبرغم أن أغلب المصلين من كبار السن دون وجود أي من الشباب دون الثلاثين في تلك الشعيرة المقدسة؛ إلا أن أحدا لم يشعر بالإطالة؛ لطلاوة صوت الإمام وخشوعه وتوقفه بالإعادة والتمهل والتدبر عند بعد الآيات المفتاحية في هذه السورة العظيمة.
٢- وسورة الشورى من مجموعة السور الكريمة الواردة في الجزء الخامس والعشرين من كتاب الله الكريم، وهي من السورة المكية باستثناء أربع آيات وهي الآيات: ٢٣ - ٢٤ - ٢٥ - ٢٧ فإنها مدنية نزلت على رسول الله بعد الهجرة إلى المدينة المنورة.
٣- تتكون سورة الشورى من ٥٣ آية، وترتيبها في المصحف ٤٢، وقد بدأت بحروف مقطعة، وهي من مجموعة سور "الحواميم" التي تبدأ بحرفي "حم"، إلا أنها تميزت عن شقيقاتها الحواميم بأن فيها حروف مقطعة أخرى وهي "عسق"؛ تهدف إلى الإمعان في الإعجاز اللغوي وتحدي أئمة اللغة وكتابها من قريش ومن كل العرب أن يأتوا جميعا بمثل حرف واحد من تلك الحروف العظيمة.
٤- ولقد وجدت في هذه السورة الكريمة إجابة عن سؤال أطلت التفكر في الإجابة عنه في الأيام الأخيرة وكأني أسمعها في هذه الصلاة للمرة الأولى في حياتي وأنا الأزهري حامل كتاب الله بروايتين، والحاصل على درجة العالِمية من جامعة الأزهر الشريف.
٥- والسؤال ببساطة يتمحور حول الولاية على الناس في هذه الحياة الدنيا.. هل هي لله وحده جل جلاله؟! أم أن الله أشرك معه في الولاية عبادا آخرين من عباده، وملكهم مصائر الخلق وأوكل إليهم التحكم في الأرزاق والأقدار وطلب من عباده أن يذهبوا إلى أضرحة هؤلاء الخلق ــ كائنا من كانوا ــ ويتمسحوا بها ويطلبوا منهم الشفاعة والرزق والمدد والسند، وغيرها من الخزعبلات التي تقدح في القلب من صحيح العقيدة.
٦- ولقد عرَفت أن سورة الشورى نزلت للحديث المكثف عن العقيدة وعن وحدانية الله وتفرده جل جلاله بتدبير أمور عباده، والولاية عليهم من دون شريك ولا وسيط بينه وبين عباده، وعندها وجدت الرسالة موجهة إلى صديقة هنا على هذا الحساب، نشرت صورتها في مسجد الإمام الحسين بن بنت رسول الله رضي الله عنه وعن أمه وعن أبيه وكتبت فوقها: "عند سيدنا الحسين مولانا ولي النعم".
٧- ولقد أتى الله جل جلاله على تفرده بالولاية المطلقة على عباده وحده دون شريك في هذه السورة ثلاث مرات بعبارات لا تقبل التأويل ويستطيع أي مؤمن أن يتلقى معناها على نحو واضح.
والآيات هي قوله تعالى:
ــ {وَٱلَّذِینَ اتخذوا مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِیَاۤءَ ٱللَّهُ حَفِیظٌ عَلَیۡهِمۡ وَمَاۤ أَنتَ عَلَیۡهِم بِوَكِیلࣲ}.. [سُورَةُ الشُّورَىٰ: ٦]
ــ {أَمِ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِیَاۤءَۖ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡوَلِیُّ وَهُوَ یُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ}.. [سُورَةُ الشُّورَىٰ: ٩]
ــ {وَمَا كَانَ لَهُم مِّنۡ أَوۡلِیَاۤءَ یَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِۗ وَمَن یُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن سَبِیلٍ}.. [سُورَةُ الشُّورَىٰ: ٤٦]
٨- وما يعرفه أي طالب علم درس ألف باء علوم اللغة والتفسير أن العدد "٣" يعني تثبيت المعلومة وتوكيدها في نفس المتلقي.
٩- إذن.. فهمت أن الله تعالى يقول لعباده إنه وحده قد تفرد بالولاية عليهم وتسيير كل شؤون حيواتهم ورزقهم ووضع أقدارهم، ليس معه في ذلك شريك ولا ند ولا نظير، وأن هذا المعنى هو أصل مركزي من أصول العقيدة أراد جل جلاله أن يعلمه لأولئك الصحب الكرام الذين آمنوا بالرسول في مكة المكرمة والذين حررهم الإسلام من عبادة الأشخاص والأوثان واللجوء إليهم.
١٠- على هذا النحو يقول الله لعباده كلمته العليا وهي أن الإسلام نزل أصلا لمحاربة هذه العادات والطقوس، وأن على المؤمنين الارتكان إليه وحده وهم ليسوا بحاجة إلى أولياء من البشر، وأن وليهم الله وحده لا شريك له، وهم بعد كل ذلك ليسوا بحاجة إلى أي نوع من أنواع الأولياء بما في ذلك ــ طبعا ومن دون أدنى شك ــ "الولي الفقيه".