الأقوياء لا ينتقمون...
١- في فيلم "النمر الأسود" يوجد مشهد يستوقف المشاهد بشدة.. أحمد زكي بطل ملاكمة ويعمل خراط ومسافر على مركب متجهة إلى أوروبا لكسب الرزق وإنقاذ أسرته البائسة.. نائم من شدة التعب في أمان الله ولا يؤذي أحدا.. فجأة عامل أوروبي من عاملي المركب يرش عليه المياه وهو نائم في هذا البرد القارس.
٢- ما يستوقفك هو رد فعل البطل.. يقوم أحمد زكي ويبتسم ويتلقى هذا التصرف الوقح بصدر رحب.. فضلا عن أنه يعرض على الشخص الأوروبي أن يساعده في تنضيف سطح المركب.
٣- المفارقة هنا وأكيد كانت مقصودة بعمق من الأستاذ بشير الديك، كاتب الفيلم، هي طريقة تعامل البطل مع الأزمة.. كان ممكن يقوم يضربه علقة ساخنة، وهو قادر على ذلك بحكم أنه بطل ملاكمة.
٤- كان قادر يعمل مشكلة ويتخانق.. كان ممكن يتهور في لحظة غضب ويرمي العامل الأوروبي في البحر ويُضيِّع نفسه.
٥- بطلنا هنا تسامح مع الموقف واعتبر الرجل "بيهزر معاه".. وهنا لفتة لها دلالة لا يمكن أن نتخطاها وهي أن أصحاب الأهداف والغايات الكبرى لا يشغلوا بالهم بمعارك صغيرة.. ولا يخوضوا الصراعات إلا مع الحياة وصعوباتها وتحدياتها.
٦- هذه النوعية الفاخرة من الناس منحها الله طاقة تسامح لا يفهمها الكثيرون؛ لأن كثيرا من الناس العاديين قد يظنون أن التسامح والتغاضي ضعف، لكن الحقيقة أن التسامح والتغاضي والتجاوز قوة داخلية كبيرة جدا، لا يفهمها إلا الراسخون في العلم.
٧- ما حدث أن الشخص الأوروبي الجلياط قليل الذوق والإنسانية مؤكد عاش ومات مجرد عامل على مركب.. وفي المقابل القدر كافئ الشاب المصري وأصبح بطلا عالميا في الملاكمة، ثم أهم رجل أعمال في ألمانيا.. والشاهد هنا أن الأقوياء لا ينتقمون.. الأقوياء لا يخوضوا المعارك الكبرى إلا مع أكبر تحديين يواجهان الإنسان: الزمن والمسافة.
#تأملات_ليلية