حديث ذو شجون عن تجربة حققت فشلا بنسبة ١٠٠ بالمئة
١- قبل ساعات كنت في حديث مطول مع بعض الأصدقاء رفيعي المستوى لتحليل مشهد تردي البحث العلمي خاصة في مجال تحليل السياسات في بلادنا العربية، وقد وضعت يدي على المشكلة وحاولت تشخيصها وإيجاد حل ناجز أو عدة حلول ممكنة لها، كلما كان ذلك ممكنا.
٢- تشخيص المشكلة ببساطة من وجهة نظري يكمن في أن الجيل الجديد لا يقرأ الكتب ولم يعتد على التدرب على دراسة المؤلفات، ثم إنه في زحمة من الملهيات المتمثلة في وسائل التواصل الاجتماعي والسعي نحو المادة في عصر طغت فيه الماديات رغما عن الجميع.
٣- ولقد انتبهت إلى تلك الظاهرة وحاولت أن أساهم قدر طاقتي في وضع حلول لها، وتذكرت قبل نحو ٢٠ عاما، عندما كنت شابا يافعا عمري ٢٠ عاما، وكنت أقرأ الكتاب الواحد في يومين أو ثلاثة، أو أسبوع على أقصى تقدير لو كان كتابا كبيرا محتشدا بالمعلومات والتحليلات وخلافه.
٤- وأظن ــ ومعي كل الحق ــ أن هذا الحشد الكبير من المؤلفات التي هضمتها تماما في تلك المرحلة المبدئية في حياتي البحثية هو سبب إدراكي الراهن للسياسات الدولية عموما وللسياسات في تخصصي على وجه الخصوص.
٥- وفي الشهور الأخيرة خضت تجربة حققت فشلا بنسبة ١٠٠ بالمئة، ومختصرها أنني وجدت نفسي أتلقى شبه يوميا طلبات وأسئلة من شبان حديثي التخرج يريدون أن أقدم لهم النصيحة أو يد العون في العمل البحثي وخاصة في تخصصي وهو الشؤون الإيرانية.
٦- ولقد قررت أن استثمر هذا الطلب المتزايد على هذا التخصص من كل هذا العدد من الشبان وأنقل لخمسة أشخاص منهم بعضا مما تعلمته واكتسبته من خبرة في هذا المجال.
٧- بالفعل وقع اختياري على بعض هؤلاء الشبان وخصصت لهم وقتا من عملي ومن يوم راحتي الأسبوعي وهو من بعد صلاة الجمعة إلى صلاة العصر.
٨- نهضت خطتي ببساطة على أن أرشح للشاب حديث التخرج كتابا محددا تأسيسيا في التخصص وأعطيه أسبوعا لقراءته ودراسته على أن نلتقي في مقابلة على تطبيق جوجل ميت لمدة نصف ساعة نتناقش فيها حول الكتاب وما تعلمه الشاب منه وما سأشرحه له من وجهة نظري، وهذا طبعا كخطوة أولى لو اجتازها كنت سأحدد له موعدا للمقابلة ومن ثم يمكن أن يكون عضوا في المشاريع البحثية التي أنتجها أو أشرف عليها أو أرشحه لمراكز الدراسات التي تثق في ترشيحاتي.
٩- وبنسبة ١٠٠ بالمئة عاد إلي كل هؤلاء الشبان وأخبروني جميعا بأنهم لم يمتلكوا الوقت لقراءة كتاب مكون من نحو ٢٥٠ ورقة وبعضهم كان مهذبا وطلب مهلة أخرى وبعد المهلة عاد واعتذر لعدم تمكنه من القراءة، والبعض الآخر أخبرني أنه وجد في الموضوع مشقة عالية وغيرها من الحجج والأسباب، بالرغم من أنني اخترت من ليس لديهم ارتباطات بعمل أو أسرة أو أطفال وغيرها من الشواغل.
١٠- وهكذا حققت خطتي في نقل بعض معارفي وخبراتي إلى جيل جديد، فشلا بنسبة ١٠٠ بالمئة، وهنا لا أحتاج أن أؤكد لكل شاب حديث التخرج سيقرأ هذه السطور على الحقيقة التي لا بديل لها: القراءة الحقيقية والعلم الجاد هو وحده بعد فضل الله سبيلك الوحيد لتحقيق نجاح راسخ ومستدام في مثل هذا المجال من العمل.