١- في مثل هذه الأيام تقريبا قبل خمس سنوات كنت في كردستان تزامنا مع الاستفتاء على محاولة الانفصال التي جرت في سبتمبر ٢٠١٧م، وفي لوبي أحد الفنادق جمعتني جلسة مطولة مع مسؤول كردي كبير، وقد سألتُه عن سبب توقيت الدعوة للاستفتاء الآن في هذا الظرف الإقليمي الحرج للغاية.
٢- ثم شرحت له وجهة نظري وقلت إن إيران لن تسمح بحدوث هذا الانفصال وستتفق مع تركيا ضدكم؛ فقال لي: إيران مشغولة بالعقوبات الأمريكية، وغارقة في مشاكلها الداخلية وصراعها مع دونالد ترامب.
٣- أرجعت ظهري على مسند الكرسي الوثير ثم قلت له إنني قادم إليكم هنا في السليمانية من مصر وهي بلد بعيد جغرافيا عن إيران، وأنتم ملاصقون لها وبينكما حدود ومعابر مشتركة، ومن المفترض منطقيا أنكم أدرى منا بإيران وطبيعة صنع القرار فيها، ومع ذلك فإن ما نعرفه في القاهرة هو أن إيران لن تسمح مطلقا بهذا الانفصال.
٤- أعاد كلامه المتعلق بانشغال إيران في مشاكلها الداخلية، فأعدت كلامي وقلت له بالحرف الواحد: "النظام الإيراني لا يمكن توقع ردود أفعاله مهما كان المرء خبيرا في التخصص، ومع ذلك فإن أبجديات فهم هذا النظام تؤكد بدرجة تشبه اليقين أن مشاكله الداخلية لن تعيقه أبدا عن وقف هذا الانفصال".
٥- تلقى كلامي بكثير من الاستخفاف أو اللا مبالاة، وقال لن يجرؤوا على فعل شيء، وفي أثناء حديثه رن هاتفه وتحدث بالكردية مع محدثه في مكالمة لم تستغرق سوى نصف دقيقة، وأغلق الخط ثم قال لي: إيران أخبرتنا باعتزامها إغلاق "حاجي عمران" و"باشماج"، وهما أهم معبرين حدوديين بين كردستان وبين إيران.
٦- قلت طبعا إيران اتفقت مع تركيا على إغلاق المعابر ومنع الطعام والشراب عنكم؛ لأنكم لم تستجيبوا لطلبها بوقف هذا الاستفتاء. أعيد على حضرتك رأيي بعبارة واضحة "إيران لن تسمح بحدوث هذا الانفصال؛ لأن انفصالكم سيجر عليها مشاكل لا حصر لها.. ألف باء فهم النظام الإيراني هو أن انفصالكم بالنسبة لطهران هو مسألة حياة أو موت".
٧- قال: مع احترامي لرأيك، لكن كما قلت أنت نحن نفهم إيران أكثر من أي طرف آخر، الاستفتاء سيحدث و"الاستقلال" سيحدث في خلال أسبوع من الآن، والأيام بيننا...". الآن مرت خمس سنوات وليس أسبوعا كما قال لي. والنتيجة: نجاح إيران في إفشال الانفصال.. سيطرة بغداد على كركوك.. توقف الرواتب أو تأخرها.. مشاكل اقتصادية هيكلية.. تراجع تأثير أربيل في القرار العراقي.. معاناة ما بعدها معاناة للشعب الكردي العظيم.
------------
الصورة المرفقة برفقة الأستاذ/ بشير عبد الفتاح، رئيس تحرير مجلة الديموقراطية (يمين الصورة)، والدكتور/ جمال عبد الجواد، رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية (منتصف الصور)، بعد إفطار ريفي في جبال دوكان.. طريق السليمانية ــ أربيل، الساعة 7 صباحا.. يوم 19 سبتمبر 2017.