1ــ في مايو 2008 كنت في ضيافة مفكر كبير في منزله، قبل شهرين من وفاته، وفي تلك الجلسة حضر أحد تلامذته وهو أستاذ أدب إنجليزي كبير في جامعة حكومية ساحلية مرموقة ومعه زوجته وابنته.
2ــ كانت ابنته فتاة جامعية رائعة الجمال لا يتجاوز عمرها 20 عاما، وكنت في ذلك الوقت بعمر 23 عاما، وظل المرحوم طيلة الجلسة يتغزل بها، وهي في مثل سن حفيداته.
3ــ في أقصى الحجرة الفسيحة بمنزله بحي مصر الجديدة عند نفق العروبة، كان التلفزيون يبث فيلم "إشاعة حب" ليوسف بك وهبي، وهو دائم التغزل بالفتيات الصغيرات في مدينة بورسعيد. ثم نظرت للتلفزيون ونظرت للمفكر الكبير نظرة ذات مغزى وضحكت.
4ــ فهم الرجل بدهاء كبير أنني أشبهه بيوسف بك وهبي في الفيلم، فقال لي: "عارف يا محمد ليه أنا ويوسف وهبي بنتغزل في الحسناوات، وأنت لا تفعل مثلنا؟!".
5ـ قلت: "لا أعرف". قال: "لأنك تقدر ونحن لا نقدر. ومن يقدر لا يتحدث كثيرا"؛ ففهمت من كلامه أن هذا هو سر التغزل الدائم للرجال كبار السن في الفتيات الحسناوات، وهو تغزل ينطوي على فكاهة وسخرية من الحال، وليس على خلل أخلاقي.
6ــ تذكرت هذا الموقف وأنا أطالع شبه يوميا تهديدات من مسؤولين إسرائيليين بضرب إيران، وهنا إسرائيل مثل يوسف بك وهبي تتحدث كثيرا لأنها لا تقدر، ولو كانت تقدر لنفذت من دون أن تتحدث.
7ــ الواقع أن إيران فعلت كل ما يمكنها فعله لبناء حواجز من الردع الفعلي والتخيلي أمام إسرائيل سواء بالتفاهمات السرية أو بدعم الوكلاء والشركاء المحيطين بإسرائيل من كل جانب، وإسرائيل تعلم تمام العلم أن أي هجوم منها على إيران معناه المقامرة ببقائها على قيد الحياة في الشرق الأوسط، لذلك تتهدد كثيرا ولا تنفذ؛ لأنها ببساطة: لا تقدر.