رواية الحوش الكبير (قراءة نقدية)
رواية للكاتب محمد السيد رحمة
الحجم من القطع المتوسط
التصنيف فانتازيا
تأملت الرواية المنتمية إلى دار ديوان العرب للنشر والتوزيع بفضول وشغف، فقد نجح الغلاف بلونه الناري وتفاصيله المختلفة في خلق حالة من الفضول والإثارة لدي، وبحماس بدأت الرحلة التى ركبت فيها الخيال للوصول لذلك الحوش الكبير.
وكعادة المؤلفين في أولى صفحات كتبهم تقديم إهداء الكتاب لمن يستحق حسب المشاعر المسيطرة على الكاتب حينها، وعادة ما يكون ذلك الإهداء شخصي بحت، يتجاهل القارئ قراءته أحيانًا، ولكن هنا الوضع مختلف فهذا الإهداء لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، بمجرد أن تلمح عينيك اسم (نيكولا تسلا) ذلك العالم الصربي الشهير ستبدأ التساؤلات، ويزداد داخلك الفضول وتدخل المغامرة وقد زاد الحماس.
العودة... هي عنوان أولى صفحات الرواية، وهنا نجح الكاتب في جذبك بدهاء، وسرقك أسرع مما تتخيل.
لغز يبدأ به الراوي في سرده للأحداث التي هو أحد أطرافها، تنتابك الدهشة مع تفاصيل لقاء لا يعرف مع من؟! أو أين يكون؟! سيجبرك على دخول اللغز معه دون أن تشعر، تستمع لحكايات الأبطال بلهفة، تحاول وضع الاستنتاجات التي دائمًا ما تكتشف أنها خطأ.
ستجد أنك تجلس داخل ذلك الحوش الكبير بقلب مقابر القاهرة، تتلهف لمعرفة الأسرار التي تنكشف واحدة وراء الآخرى، بأحداث تصاعدية تحاول فك شفراتها دائمًا، فتكتشف أنك لم تفهم شيء بعد، ورغم وحشة المكان ورهبة العيش فيه؛ لم تشعر بالخوف وأنت معهم، والمدهش أنك ستبتسم كثيرًا فهناك من يتمتع بخفة الظل.
وما بين السرد والحوار الذي اختلطت فيه العامية بالفصحى، تتنقل بين كل حالة وأخرى وكأنك تقرأ رواية مختلفة بأكثر من لغة، أحدهم لغة العامة بسلاستها وبساطة تعبيراتها، والأخرى لغة العلم والتطور السريع، أخذك الكاتب لكل منطقة يريدها ببراعة وتمكن، ما بين الجهل والتطور، الأكاذيب الحمقاء وتكنولوجيا تفوق الخيال، ورغم هذا التداخل الغريب في لغة الحوار إلا أن الرواية جاءت بلغة سليمة متقنة متمكنة أيًا كان نوعها، ورغم صعوبة ذلك استطاع أن يحافظ الكاتب على بلاغة عباراته وتلك التفاصيل المتوارية بين الأسطر.
ستختلط بك الأمور، أتقرأ رواية خيال علمي، أم هي فانتازيا ساخرة، وتعود لتخبر نفسك أنك دخلت حقبة تاريخية من زمن سحيق، ولكن مع كل تلك التداخلات إياك أن ترتعب عندما تجد أنك سقط في عالم الجن معتقدًا أنها من روايات الرعب، ومع الأسف أن أكثر شيء مخيف هنا ما هو حقيقة وواقع نعيشه بالفعل، ربما نجهله أو نتجاهله.
ومع كل تلك الإثارة، ستدرك خطورة التقدم الذي نتباهى بمواكبتنا له، الخطط المفزعة للسيطرة على العالم بأكمله، قوة العلم واستخدامه عسكريًا وسياسيًا، عالم خفي يفوق تصور العقل العادي.
خليط بين الماضي والحاضر، التاريخ والحضارة والتطور ، يربط بينهم الكاتب ببراعة وتمكن عبر نفس الأشخاص الذي ظننت في البداية جنونهم أو تيه عقولهم من أثر المخدر، أو حتى لعنة أصابتهم لدخولهم في عالم محظور على العامة اختراقه، ولكن هل هو عالم الجن؟ أم عالم فاق تطوره حدود العقل العادي؟!
وتصل للنهاية التي نجح فيها الكاتب بحبكة متقنة وهدف سامي، تدرجت للوصول إليه دون ملل طوال أحداث الرواية، حماس وفضول صاحبك لفهم ما يحدث لم يقل حتى آخر صفحاتها.
ستغلق الكتاب بنظرة أعمق وأوسع لمجريات الأحداث والأمور حولك، ستختلف نظرتك للتطور، تدرك أن النجاة لا يمكن أن تكون إلا عن طريق العقل والإيمان والعمل، ربما تسعد عندما تعلم أنه بإمكانك يومًا رؤية عزيز قد غادر الدنيا، ستتحدث معه وتسترجع كل الذكريات، ربما حتى تستحضره للعيش معك، ولكن يجب ألا تغفل عن قوله تعالى
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)