إذا تألمَ الجسد وعُلِمَ أنَّ هُناكَ ما فَسَدَ بهِ فلا بُدَّ من بترهِ كي يستقيمَ في عمله، وهذا أمر طبيعي يُمكن قَبولهِ، أمَّا ما لا يُمكن قَبولهِ هو فساد الجسد عدا شعر الرأس!
مُجتمع قُروي ريفي بسيط تَغلُب عليهِ التلقائية، هو بالنسبةِ لأحدهم كما "المدينة الفاضلة" لأفلاطون؛ فكانَ يَظُنُّ أنَّ أهلَهُ لا مِثلهم أهل، حيثُ الأخلاق الحميدة، والصفات النبيلة، والشِيَم الكريمة، وغيرهِ ممّا جعلهُ مُميّزاً بينَ سائرِ المُجتمعات.
ظلَّ أُخيّنا هكذا حتّى كَبُرَ عقله وزادَ فِكره فصُدِمَ بواقعٍ أمرُّ من الحنظل!!
تحديداً بعد الانتشار الهائل للإنترنت على مُستوى الجمهورية، حتّى أضحى الجميع يحملونَ هواتفاً ذكية، يستخدمونها فيما لا نفعَ منهُ، بالإضافة لانتشار الشاشات المُتلفزة، والتي تَبُثُّ ما يقتُل الحياء، ويوئدُ العِفّة، ويُدّني الأخلاق، عن طريق وضع السُمّ في العسل بمُعظمِ الأعمال السينمائية والدرامية، وتحديداً الدرامية حيثُ أنَّها مَن تأتيكَ لا تذهب إليها أنتَ، لذا فإنَّهُ يتحتمُ على صُنّاعِ تلك الأعمال أن يُظهِروا بها شخصياتٍ يُقتَدى بها في العِلمِ والأدبِ والأخلاق، بدلاً من البلطجة والشذوذ، والعُرّي والدياثة، وشُرِبِ الخمرِ والترويج للمُخدِرات، والقتل والسرقة والفُحش والتفَحُش والبذاءة.
لا أنفي وجود أعمالٍ درامية هادفة، بل على العكسِ ففي الزمنِ البعيد كانت الدراما رسالة بمعنى الكلمة؛ حيثُ خَرّجت لنا أعمالاً أدبية وتاريخية رائعة تَحُثُّ على العِلمِ وتُرّغبُ في محبّةِ العُلماء واقتفاء أثرهم، كما كانت تدعو للفضيلة وتستنكر الرذيلة بكافة أنواعها وأشكالها.
نعودُ بالحديثِ إلى المُجتمع القُروي الريفي المُعاصر.. أضحت مُعظم النساء بلا حياء، والرجال بلا حِمية_إلَّا مَن رَحمِ رَبّي_ والأطفال مقتولي البراءة في ظلِّ غياب الرقابة الأُسرية والتنشئة الصحيحة.
تبدلت الأحوال للأسوأ؛ فعادَ القتل بينَ أهلهِ، واختلطت بعض أنسابهم، كما جُهِرَ بالعُهر، وكَثُرَ أطفال الخطيئة_المجني عليهم_ وتعددت وسائل بيع المُخدِرات والخمر، بالإضافة لسرقةِ الأموال والأعراض.
نَظَرَ أُخيّنا إلى مُجتمعهِ الذي كانَ يُفضل فرأهُ صورة من الجاهلية، ولكن للأسف دائماً ما يكونُ الشبه أقبح من المُشبَه بهِ؛ فالجاهلية يا سادة كانَ بأهلها بعضاً من الصفاتِ المحمودة، فالحِمية والنخوة والرجولة، والصِدق والترفُع عن البذاءة، كما كانت الحُرّة لا تزني ولا تُرخص نفسها بجعلِ جسدها عُرضة مُستباحة لمَن أراد.
أذكُرُ حينَ بايعت سيدتُنا "هند بنت عُتبة" _رَضيَ اللَّهُ عنها_ سيدُنا رسول اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ استوقفها الأمر بتحريم الزنا (ألَّا يَزنينَ) فقالت مُتعجبة: أوتزني الحُرّة يا رسول اللَّه؟!!
حَزِنَ أُخيّنا على مُجتمعهِ ودعا أهله للعودة لأصلهم، وترك مُخلفات المُجتمعات الأُخرى الزاهينَ بها، إلَّا أنَّهم رفضوا وأصّروا على ما هُم فيهِ.. حَمَلَ أُخيّنا أغراضهُ وذهبَ مُغادراً إلى أرضِ مَكّة الطاهرة؛ ليُرّبي ابنه _الذي هو جنين ببطنِ أُمّه_ في البلدِ الذي وُلِدَ بهِ المُصطفى _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ ونزل فيهِ القرآن.