اِختليتُ بذاكرتي فوجدتني أتذكّرُ أيَّام الثانويةِ العامّة، وبالتحديد الصفّ الأوّل منها، حيثُ المُقررات الثريّة ومن بينها قصّة (أبو الفوارس)، وهي قصّة تتحدّث عن سيرة حياة البطل الشُجاع عنترة بن شدّاد العبسي، وعُنوِنَت بأبي الفوارس نسبةً لكُنيتهِ.
أعجبتني تلك القصّة أيُّما إعجاب، فحينَ قرأتُها أُعجبتُ ببطلها ذلك الفارس المغوار، لم أكتفي بذلك فحسب، وبحثتُ في شخصيتهِ الغريبة والفريدة من نوعها؛ حيثُ جَمَعَت بين الفروسية والمشاعر الجيّاشة.
عنترة بن شدّاد الشاعر الجاهلي صاحب المُذهبة الرائعة، وسُمّيَت مُعلقتهِ بالمُذهبة لأنَّها كانتْ تُكتَب بماء الذهب؛ لجودتها وروعة صياغتها.
عنترة ذو شخصية فَذّة تحمل بطيّاتها الكثير من الجوانب كالجانبِ النفسي والبيئي والأدبي، لم يهنأ بحياتهِ لدخولهِ أَسر العُبودية بمولدهِ عام خمسمائة وخمسة وعشرون من الميلاد، فلم يرضهُ شداد ابنًا لهُ؛ لكونهِ ابنُ أَمة وابنُ الأَمة لا يُنسَب لأبيه.. فكانوا يُنادونهُ بعبد شدّاد وابنُ زبيبة، وزبيبة هي أميرة حبشيّة أُسِرَت إثر هجمة قبيلة عبس على قافلتها، أُعجِبَ بها شدّاد فأنجبها عنترة، وكذا شيبوب أخا عنترة وأسير العُبوديةِ أيضًا.
رُغم ذلك كانَ عنترة هو المُدافع الأوّل عن القبيلة؛ لقوتهِ وصلابتهِ وشجاعتهِ المُنقطعةِ النظير، ولحبهِ لقبيلتهِ وحِميتهِ عليها من الإغارة.
بينَ الحروب القَبلية ترعرع عنترة فكانتْ لنشأتهِ الفضل في إكسابهِ الشجاعة في خوض المعارك.
ظَهَرَ نبوغهِ الأدبي حينَ نَظّمَ مُعلقتهِ ذات الوصف والحماسة؛ فقد أظهرَ بها وصف شجاعتهِ وفروسيتهِ، ومُخاطبًا حبيبتهِ عبلة بنت مالك العبسي.
كثيرًا ما جذبتني تلك الشخصية للخوض في ثناياها؛ فرُغم ظُلم أبيهِ لهُ وسُخرية القبيلة من عِرقهِ الحبشيّ ولونهِ الأسود، ومرارة عيشهِ، إلَّا أنَّهُ كانَ ذو قلبٍ نادر؛ سَكنَهُ العِشق حينَ أحبَّ عبلة، وتحدّى الصِعاب لأجل ذلك.
قلبٌ لم يعرف سوى الحُبّ وتَرجَمَ ذلك بالتضحية.
عنترة بن شدّاد المُتوفي عام ستمائة وخمسة عشر ميلاديًا.. كانَ ولازال رُغم مرور الزمان فريدٌ في كُلّ شيء، لو كانَ الأدبُ بالنَسب ما كانَ عنترة شاعرًا من أفضل شُعراء العرب في الجاهلية، لو أردتُ وصف عنترة لوصفتهُ بذي القلب النادر.
من معلقتهِ:
يا عَبلَ قَد هامَ الفُؤادُ بِذِكرِكُم
وَأَرى دُيوني ما يَحُلُّ قَضاها
يا عَبلَ إِن تَبكي عَلَيَّ بِحُرقَةٍ
فَلَطالَما بَكَتِ الرِجالُ نِساها.