تعقيبي على قرائتي لرواية (التَرِكَة)، لأستاذي الروائي/ مايكل يوسف.
رُزقتُ خيرًا بقرائتي المُثمرة لهذهِ الرواية، فالحمدُ للَّهِ أوّلًا وآخرًا.
(التَرِكَة) مائة وثمانية وعشرون من الصفحاتِ المحبوراتِ بعُصارةِ فِكرِ كاتبها، حوتْ بداخلها خمسةَ عشرَ فصلًا مليئة بالمُتعةِ والإثارة والتشويق، ناهيكَ عن فِكرة الرواية والتي لم يُتطرَّق إليها من قبل.
(التَرِكَة) روايةٌ تُصنَّف ضمن فئة أدب الرُعب، لكنَّهُ رُعبٌ مُختلف هذهِ المرّة، أو قُلْ الرُعب النفسي لنكونَ أكثر وضوحًا.
جذبني العنوان حينَ عَلِمتُ بأنَّها تكملةٌ لثُلاثيّة العجوز، والتي ذُكِرَتْ بالتفصيل بمجموعة (السّوار)، تحمّستُ للقراءة ومَن قرأ السّوار سيفهمُ ما يَعنيهِ قصدي.
شرعتُ في القراءة فأستوقفتني المُقدّمة، تلكَ المُقدّمة التي إنْ دلّتْ على شيءٍ فإنَّها تدُلُّ على سلامة صدر حضرة كاتبنا وأصالة معدنه، وحميد صفاته وحُسن أخلاقه، بالإضافةِ لنُبلهِ وكرمه.
قد تواضعَ كاتبنا في مُقدّمتهِ حينَ بدأها بقولهِ: "أنا إنسان عادي"، ثُمَّ سردَ بعدَ ذلكَ ناسبًا الفضل فيما وصلَ إليهِ لأهلهِ، وقد ذَكَرَ حضرة أبيهِ بكلماتٍ لو سَمِعَها الصخرُ للان، فما بالُ حضرة كاتبنا بقارئها الإنسان؟
ذَكَرَ كاتبنا أباهُ قائلًا: "أبي رَحمةُ اللَّهِ عليه.. سندي الذي لم يُسعفني الزمان لأستندَ عليه".
بدأ الكاتب أحداث الرواية بهدوءٍ ثُمَّ تصاعدتْ الأحداث شيئًا فشيئًا، حتّى إذا ما ظننتُ أنَّها النهاية وجدتُ لها تكملة مُثيرة.
قد أعجبني السرد وراقَ ليَ الحوار، وظهرَ جلّيًا عِلم الكاتب بما يخطّهُ قلمه، وخِبرتهِ في الحياة مُضافًا إليها بعض الرتوش.
(التَرِكَة) صراعٌ بينَ الحقِّ والباطل، بينَ الإيمان والكُفر، بينَ الخير والشرّ، بينَ الإنسان والشَّيطان؛ مُمّثلًا في شخوصٍ أبدعَ الكاتب في إنتقائها وتوظيفها.
وضّحَ لنا الكاتب كيفَ يُمكنُ للشَّيطان أنْ يتغلّبَ على إنسانٍ بمعاونةِ إنسانٍ آخر؟!
نجحَ الكاتب في إيصالِ رسالتهُ الهادفة التي حوتها الرواية في فصولها الخمسةَ عشر.
وُفِقَ الكاتب في اختيار شخصية (مُهاب)، مُلِّمًا بكُلِّ جوانبها.
تفاجأتُ كثيرًا من هولِ الأحداث، وذُهلِتُ أحيانًا وبينَ هذا وذاك لم تكفّ نبضات قلبي عن السُرعة؛ فتناسيتُ بأنَّني قارئة وشاركتُ البطل (مُهاب) الخوف والفزع والتفكير، ويكأنَّني تركتُ الكتابَ ودلفتُ داخله!!
حتّى أنَّني وددتُ لو أُعطيتهُ هاتفي ليستخدمهُ في الإضاءةِ بدلًا من الكشّاف الذي نفدتْ طاقته، أو أُخبرهُ بأنَّ صفوان ما هو إلَّا شَّيطانٌ من شياطينِ الإنس، قبلَ أنْ يتفاجأ هو بأحداثٍ مُروّعة.
ظَهَرَ حُبّ الكاتب للحضارة الفرعونيّة طاغيًا على الأحداث، وبراعة حضرتهِ في إجادةِ اللُغةِ القبطيّة، وهي لُغةٌ استخدمها قُدماء المصريين قديمًا، وكذا حثّ حضرتهِ على فِعل الخير قدر المستطاع.
يُؤخذ على الكاتب ترك حجر الإله للشَّيطان (شهاب عامر).
لم يُقتل الشَّيطان (شهاب عامر) في دلالةٍ على أنَّهُ ما دامَ هُناكَ شياطين إنس فحتمًا ستظلّ شياطين الجنّ، فالعَلاقة بينهما عَلاقة طرديّة.
أعجبني كثيرًا طموح (مُهاب) وتحمُّلهِ للمسؤولية الموكولة لهُ من قِبلِ عمّهِ الراحل (مُراد باشا)، وما زادني إعجابًا هو قوّة إيمانهِ باللَّهِ العليِّ العظيم، وتجاوزهِ للأحداث المُخيفة داخل القصر المنيف المُخيف، رُغم أنَّني لم أُوافقهُ الرأي في بدايةِ الأمر حينَ وافقَ على الشرط الذي في مُقابلهِ حصولهِ على التَرِكَة.
مشهدٌ جسّدهُ لنا الكاتب غاية في الروعة؛ حينَ أمسكَ مُهاب بحجرِ الإله وضغطَ على جانبيهِ فلم يعمل، وكانتْ الشَّياطين قد إندفعتْ نحو الخارج، فأخبرتهُ (باستيت) أنَّ الحجرَ يعمل بقوةِ إيمانهِ هو، حينها وقفَ ثابتًا للحظات وضغطَ على جانبي الحجر موقنًا بأنَّ اللَّهَ ناصرهُ لا محالة، وهُنا كانتْ المُفاجأة التي لم تخطر على بال.. تُرى ما الذي حدث؟!
الإجابة تنتظركم بداخلِ صفحات (التَرِكَة).