عندما أتخرّج من الجامعةِ سأعملُ بشهادتي، بهذهِ الكلمات طمئنَ مجدي والدتهِ التي طالما عانتْ وتحمّلتْ لأجله، ولكنَّها أخبرتهُ بأنَّ أحد أقربائهِ تخرّجَ ولم يجد عملًا يَليقُ بشهادته، أنكرَ مجدي ما قالتهُ والدته إنكارًا شديدًا مُضيفًا: سأُثبِتُ لكِ عندما أتخرّج أُمّي، والتي أردفتْ: بُنيّ صدِّق ما أقول.
مجدي: طالما هذا هو الحال فلماذا يتعلّم الشباب؟
ولِمَ ضّحيتِ من أجل تعليمنا؟
الأُمّ : بُنيّ ليسَ كُلّ مَن يتخرّج لا يعمل أو العكس؛ فهُناكَ مَن يعمل بشهادتهِ وهُناكَ مَن يعمل بدونها، وهُناكَ مَن يتعلّم لتُكتَب لهُ شهادته في إثبات الشخصية؛ كي يحترمهُ النّاس ويُقدرونه، أمَّا عن تضحيتي فقد فعلتُ ذلك وعانيتُ من أجله؛ كي تُرفع مكانتكم بالشهادة إنْ لم تَعملوا بها أنتَ وإخوتك.
مجدي: أُمّي لا داعي لإستباق الأحداث، وسأعمل بشهادتي، ألكِ حاجة أُمّي؟
الأُمّ: سلامتُكَ أُريد بُنيّ.
أغلقَ مجدي هاتفهُ ونامَ ليستيقظ على صوتِ صديقهِ دياب قائلًا له: مجدددددددي استيقظ لقد تأخرت على الجامعة.
تناولا مجدي ودياب إفطارهما ثُمَّ ذهبا سيرًا على الأقدامِ إلى الجامعة؛ حيثُ لم يتمكنا من دفع اُجرة المواصلات.
أخذا يتحدّثانِ أثناء سيرهما فكان الحوار:
دياب:آهٍ آه، متى سنُرحم من هذا السير؟
مجدي: ليسَ كثيرًا، فقط ثلاثةُ أشهرٍ ونتخرّج.
دياب: وبعد؟
مجدي: ماذا تعني بهذهِ الكلمة؟
دياب: أعني وبعد التخرّج ماذا سيحدث؟
مجدي: طبعًا سنعملُ بشهاداتنا وترتفع مكاناتنا في المجتمع.
دياب بصوتٍ ساخر: باللَّهِ عليك، أحقًّا ما تقول؟
مجدي: ولِمَ لا ما دُمنا نحمل شهادات.
دياب: دعنا من هذا الخيال، فقد وصلنا.
ذهبَ مجدي لكُلّية التجارة ودياب لكلية الآداب.
مرّت الثلاثة أشهر وامتحنا مجدي ودياب وهما الآن في إنتظار النتيجة.
رنَّ هاتف مجدي، أخذهُ بيدٍ مُرتعشة؛ نتيجة التوتر العصبي الذي يسبق الإمتحان ونتيجته.
مجدي: آلو، صباح الخير طمّني يا سلمان؟
سلمان: أنتَ مؤمن وقدّرَ اللَّهُ وما شاء فعل، مجدي بعد أنْ كاد يغضب:ماذا تقول؟
ماذا حدث؟
سلمان أوضح لي.
سلمان: طِيلة السنوات الماضية وأنتَ تجتاز الإمتحان بإمتياز ولكن....
مجدي مُقاطعًا: لكن هو في لكن، سلماااااااااان.
سلمان: تشّجع وتثبّت للأسف يا مجدي _بعد أنْ كاد يُغشى عليه _ طلعت الأوّل على الدُفعة بتقدير جيّد جدًا، مبرووووك وعقبال التعيين.
مجدي: الحمدُ لِلَّه.. الحمدُ والشُكر للَّه، بارك اللَّهُ فيكَ ولا حرمني منكَ يا أحلى سلمان فى الدُّنيا.
دياب: الف الف مبروك يا أخي.
مجدي: اللَّه يبارك فيك، وأنتَ دياب ألم يتصل أحدًا ليُخبرك بالنتيجة؟
دياب: وبعدما يتصل، سأعرفها حينَ أذهب لسحب الملف.
مجدي: لا تَكُن متشائمًا سيُرضيك اللَّهُ كما السنوات الماضية.
دياب: إن شاء اللَّه، دعكَ منّى المُهم أنتَ ماذا ستفعل؟
مجدي: أُحضّر نفسي لأكونَ معيدًا.
دياب: أأخبرتك الجامعة؟
مجدي: لا، لم تخبرني ولكنَّني سأذهبُ إليها؛ كي أعرف ماذا سيحدث؟
دياب: ألم أقل لكَ من قبلُ أنَّكَ خيالي؟!
مجدي: وما الداعي لتذكُّر تلك الكلمة؟
دياب: لأنَّك لو واقعي لذهبتَ إلى الشركات والبنوك بحثًا عن عمل.
مجدي: أليسَ عملي كَمُعيدٍ يُعَدُّ كافيًا؟
دياب: أليسَ معكَ في هذهِ الدُفعة بهاء ابن عميد الكلية؟
مجدي: بلى، ولكنَّهُ ليسَ بكفائتي، دياب ماذا تقصد؟
دياب: دع الأيَّام تُريك قصدي.
وبعد أيَّامٍ ذهبَ مجدي إلى الجامعة، ليُفاجأ بتعيين بهاء بدلًا منه؛ صُدِمَ مجدي صدمةً فقدَ على إثرها النُطق ومن ثَمَّ الكلام، ذهب مُغادرًا إلى البيت، وعندما وصل وطرق الباب فتحتْ لهُ والدته؛ ليسقط على الأرض مَغشيًا عليه، حاولتْ إفاقته ولكنَّها لم تستطع، فطلبت الإسعاف والتي نقلتهُ إلى المستشفى.
أخبرها الطبيب الذي فحصهُ بأنَّهُ أُصِيبَ بصدمةٍ نفسية أفقدتهُ النُطق وأردف مطمئنًا لها: سيشفيهِ اللَّهُ ويعود كما كان مع مرور الوقت.
تذكّرَ مجدي كلام دياب: دع الأيَّام تُريك قصدي، فتبسم إبتسامة مكلوم مليئة بالحزن والألم، وأخذ يُحدّثُ نفسه: بعد الشفاء سأبحثُ عن عملٍ بعيدًا عن الشهادة؛ كي أُريح أُمّي وليطمئن إخوتى، وستكون حِكمتي في الحياة "صنعةٌ تُطعمني ولا شهادةٌ تُعطلني".
بعضُ النّاس قد يتخطى الصدمات، ما دام قادرًا على إيجاد البدائل، وما دامت الصدمات هيّنة، ولكن عندما تُصدم في واقعك فلن تتخطاها أبدًا؛ ما دامَ واقعكَ كما هو حينَ صُدمتَ فيهِ ولم يتغيّر.