تزوجتْ صبَّارة وهي في الرابعةِ عشرَ من عُمرها، تحمّلتْ مسؤولية زوجها وأُمّهِ وأخيه، مسؤولية تفوق عُمرها الصغير، ظلّتْ ترعاهُم حتّى زادتْ مسؤوليتها بإنجابها طفلتها الأولى؛ فكانتْ تجتهد في تربيتها بجانبِ رِعايةِ البيت بمَن فيه، كَبُرَتْ ابنتها وظلّتْ تُساعدها في عملِ البيت الشَّاق والمُتعِب، ظَلّتْ هكذا حتّى نَضَجَ جسدها فتزوجتْ كَسائرِ الفتيات.
كَبُرَ أخو الزوج وأنهى تعليمهُ ثُمَّ خَطَبَ مَن يُريد، فَرِحَتْ صبَّارة ظنًّا منها أنَّ زوجهُ القادمة ستُساعدها في عَملِ البيت، وتكون لها كَالأُختِ لأُختها، ولكنْ دائمًا ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السُفن؛ فقد حَدَثَ عكسَ ما أرادتهُ تمامًا؛ فعندما تزوّجَ سلفها أخذتْ زوجهِ _شِبيهة الحيّة بفِكرها_ تكيد لهُ المكائد؛ كي تُفسِدَ عليها حياتها، ولكنَّ عِنايةُ اللَّهِ تفوق كُلّ شيء.
على أذانِ الفجر تستيقظ صبَّارة لتُصلّي ومِن ثَمَّ تقوم بعملِ البيت، ثُمَّ جَمعِ روث المواشي ووضعهِ في مكانٍ بعَينهِ شريطةَ أنْ تزورهُ الشَّمس؛ لتُجففهُ ويُستخدم فيما بعد كَنوعٍ من الوقود المحلّي البسيط (الجِلّة)، وبعدها تُعِدّ الإفطار لذاكَ البيت الكبير، ثُمَّ ترعى أبنائها وحماتها وتقوم على مُتطلبات زوجها، وقد حانَ موعد صّلاة الظُهر، ومازالت سلفتها نائمة تستيقظ فقط لتتناول الطعام المُعَدّ من قبل، ثُمَّ تُحاول إيقاع الفتنة بينَ أبناء صبَّارة وتعود للنومِ مُجدّدًا.
ظلّتْ حياتها هكذا حتّى طلبتْ من حماتها مُشاركة سلفتها في عملِ البيت، ولكنَّها أبت؛ بحُجةِ أنَّ تُفاحة لم تُنجب بعد، إذن هي ليستْ مُكلّفة بخدمةِ غيرها، رفعتْ صبَّارة شِكايتها إلى اللَّهِ وفوّضتْ أمرها إليه، مُستعينةٌ بهِ سُبحانَهُ وتعالى على اِكمالِ رسالتها في الحياة.
سافرَ زوج صبَّارة إلى خارج البلاد؛ وبعد مرور بضعُ سنواتٍ ابتاعَ بيتًا يجمعهُ بها بمعيّةِ وأولادهما، دونَ مُصايقة من أحد، ولكنْ أنَّى لصبّارة من هذهِ الحيّة؛ التي حرّضتْ حماتها على زوج صبَّارة حتّى جعلتهُ يتنازل عن نصفِ بيتهِ لأخيهِ وزوجهِ تُفاحة.
لم تهنأ صبَّارة ببيتها؛ إذ أوقعتْ تُفاحة بينها وبين أخوات زوجها اللاتى قطعنَّ صِلتهنَّ بها، كنَّ يقطعنَّ وتصلُ هي، يُخاصمنَّ وتُصالِحُ هي،
يَشدُدنَّ وترخي هي، يعصينَّ اللَّهَ فيها وأولادها وتتقي اللَّهَ فيهنَّ، ظلّتْ هكذا حتّى أتمَّ اللَّهُ عليها نعمائهِ فزوّجتْ بناتها اللاتى عُيِّرتْ بهنَّ من ذي قبل، وعلّمت مَن اِستطاعتْ منهنَّ، كما دفعت بأولادها بعدما كَبَروا للعملِ في المِهنِ المُختلفة.
وبعد رحلةٍ طويلة من المشّقة والكفاح والعمل لأجل صبَّارة وأولادهِ ماتَ زوجها وهو عنها راضٍ، ولا زالت صبَّارة تُرّبّي أحفادها كما ربّتْ أبنائها من قبل.
هكذا يَسهُل الصعب بحُسنِ الظنِّ باللَّهِ، والتوكُّل عليهِ سبحانهُ وتعالى مع الأخذِ بالأسباب، والثِقة القوية بمُسبِّبِ الأسباب فهو على كُلّ شيءٍ قدير.