دلفَ قطقوط البقالة ليبتاعَ بعض النقانق، بعد أنْ أصابهُ الخواء؛ نظرًا لصبرهِ على الجوعِ فتراتٍ طويلة في ظِلِّ جُرم الغلاء.
وقفَ أمامَ النقانق بعينينِ لامعتينِ، أشارَ للبائعِ على الكمية التي يُريدها، تبسمَ لهُ البائع ووضعها في كيسٍ أنيق، أخرجَ قطقوط حافظة نقودهِ فإذ بها فارغة!
شَعَرَ بالخجلِ من البائع، ثُمَّ نَظَرَ للنقانق ولحافظة النقود، وانزوى جانبًا يبحث فيها، علَّهُ يجد مُراده، لكنَّهُ لم يجد حتّى ثمن رغيفٍ من الخُبز.
مُنذُ عَمَّ الغلاء أرجاء البلاد والأرَّواح لا تقتاتْ كما كانتْ تقتاتْ، بل يجدونَ صعوبة بالغة في الحصولِ على رغيفِ الخُبز، كما أضحى الفول طبق الأغنياء، وعن الطعمية فقد زادَ سعرها، حتّى أنَّها اِستعلتْ على مَن ألفوها مُنذُ الصِغر.
أمَّا عن الباذنجان والبطاطس والطماطم فذالكم طعام الأثرياء، وعن الدجاج واللحم والقشريات فطعام مَن يُصنَّفونَ بالثراءِ الفاحش.
تذكّرَ قطقوط أنَّهُ سَمِعَ مُعلّمهُ الهِرّ ذات يومٍ يُخبرهُ أنَّ البُسطاء (الفُقراء ماديًا) قد تخطّوا الخمسين مليون روح، حينها كانَ قرص الطعمية بخمسةِ قروش، وطبق الفول بربع جنيه، والسبع بيضاتٍ بجنيهٍ واحد، فكيفَ أصبحوا الآن؟
ظلَّ قطقوط يبحثُ بداخلِ حافظة نقوده، علَّها تلد لهُ بعض النقود؛ كي يبتاعَ بهِ ما يَسُدّ رمقه.