صباحُ الخير أُمّي ثُمَّ قَبّلَ يُمناها.
صباحُ الخير بُنيّ ها قد أعددتُ لك الإفطار.
حسنًا أُمّي سأتناولُ بعضهُ وآخذ بعضهُ الآخر معي.
بل تناولهُ كاملًا هُنا فللعملِ طعامٌ آخر في هذهِ العُلبة كريم.
كريم مُقبّلًا رأسها: لا حرمني اللَّهُ إيَّاكِ أُمّ كريم.
أُمّ كريم: ولا حرمني اللَّهُ إيَّاك بِضعتي.
كريم: أُمّي سأُبدّل ملابسي فقد حان وقتُ الذهاب إلى البنك؛ فالمُحاسب الناحج مَن يضبط مواعيده ودَلَفَ غُرفته.
أُمّ كريم: كما تُريدُ بُنيّ ولكن لا تتأخر.
عربةٌ صغيرة تحمل قِدر الفول المدمس، وبعض الأطباق وزجاجات زيتٍ ما بينَ حارٍّ وغير حارّ، بالإضافة للكثير من الخُبز الطازج، والبصل الأخضر والطماطم والطحينة والتوابل.
عم عبده هَلاَ أعطيتني الخُبز كي لا يتأخر الأبناءُ على مدارسهم وحتّى لا أتأخر أنا على عملي.
تبسم لهُ وأردف: تفضل أبا وليد ومَدَّ إليهِ يدهُ بالخُبز، أفضلُ خُبزٍ لأفضل بشمهندس بشوش في زبائني.
رَدَّ أبا وليد بذاتِ الإبتسامة: بارك اللَّهُ فيك عم عبده.
خرجتْ من المطبخِ مُمسكةً بالمِنشفة تُجفف بها يدها بعد إنهاء عملها وأضافت: أبي قد جليتُ الأواني وأعددتُ كل شئٍ لغداء اليوم ونظّمتُ البيت فأصبح في خيرِ هيئةٍ كما ترى حضرتُكَ.
أومأ مُبتسمًا قبلَ أن يُضيف: سَلِمَت يداكِ فلذتي وعوضكِ اللَّهُ خيرًا عن حُسن صنيعُكِ بي، فمُذ توفت أُمّكِ وإلى الآن قُرابة العشر سنوات لم تضجُري منّي، ولم تغضبي عليّ، رُغم ضعف حركتي وقِلة بَرَكَتي، فجزاكِ رَبّي بالجنّة نور بضعة قلبي.
نور بعدما قبَّلت رأسه: بل جزاك اللَّهُ عنّي خيرًا أبي؛ فقد أحسنتَ تربيتي وشجعتني على إكمالِ تعليمي، حينَ رفضتُ ذلك عند وفاة أُمّي، وها أنا ذا قد تعلّمتُ وعَمِلتُ بما تعلّمت وللحديثِ بقيّة فور عودتي من المدرسة فجدولي مليءٌ بأوائل الحصص اليوم.
أبا نور: أعانكِ اللَّهُ بُنيّتي.
انتصبتْ واقفة لتُحدّثهُ بصوتٍ مُتعَب: جاسر قد وضعتُ لك ما أردت في الحقيبة، أتُريدُ شيئًا آخر حبيبي؟
جاسر: أردتُ القميص الأبيض ذو الأزرّة السوداء ولكن لم أجدْهُ بخزينة الملابس فأين هو فاتن؟
فاتن: قد أعطيتهُ لفتحي (المكوجي)؛ كي يقوم بغسلهِ وكيّه، لعِلمي بموعد سفرك حضرة المحامي المحترم.
جاسر: بارك اللَّهُ لي فيكِ حضرة الطبيبة مالكةُ قلبي وأُمّ ولداي.
فاتن: بارك اللَّهُ لي فيك زوجي الحبيب، والآن لأذهب قبل أن أتأخر على المستشفى.
جاسر: والقميص؟
فاتن: سيأتي بهِ فتحي بعد دقائق لا تقلق.
غُرفةٌ صغيرة أسفل البناية تأويها وبنتها وولاداها بعد موت زوجها.
ماجدة إعتني بأخويكِ جيّدًا ريثما أعودُ من العمل.
ماجدة: حسنًا أُمّي ولكنَّكِ مُتعبة فلتأخذي اليوم إجازة؟
الأُمّ: وهل تأخذُ أبطنُنا إجازة من الطعام؟
أم هل تأخذ الدُّنيا إجازة من تعكيرِ صفونا؟
مَن يَمُت زوجها تاركًا لها ثلاثةُ أطفال بجانب ترمُلها.. تأخذ إجازة؟!
ماجدة: أُمّي سيرزُقنا اللَّهُ بعملٍ أفضل حينَ أكتفي من التعليم وأعمل.
الأُمّ: كيفَ تجرؤئينَ على قولٍ كهذا؟
ألهذا أتحملُ العناء؟
إذا فكّرتِ بهذه الطريقة فلماذا أعملُ أنا كجليسةٍ للأطفالِ مذ سبع سنوات؟
ماجدة: أُمّي....
الأُمّ مُقاطعةً: لا تقولي شيئًا قبل أن تُكملي تعليمكِ الجامعي، وتُصبحينَ مُمرضة تُداوي غيرها بالأملِ قبل الدواء.
ماجدة مُقبّلةً يُمناها: حسنًا أُمّي.
قد تجهزتُ أُمّي والآن سأذهب و....
كريم ما هذا الصوت بُنيّ فقد أفزعني؟
نَظَرَ من الشُرفة ليُخبرها بأنَّها أمطار تهطلُ بغزارة.
خَشيت عليهِ فحاولت منعهِ من الذهاب بقولها: لا تذهب اليوم بُنيّ فالوضعُ كما ترى؟
كريم وقد قَبّلَ يُمناها: بل سأذهبُ أُمّي فالعملُ لا يُؤَخر والحياةُ لا تتوقف.
ربتت على كتفهِ بعدما قَبّلَتهُ وأضافت: حفظك اللَّهُ ولدي.
عزّت إلى أين تذهب في هذا الطقس البارد؟
إلى موقعِ عملي أُمّ وليد؟
أُمّ وليد: كيف والطقسُ كما ترى وموقعُكَ يبعُدنا بكثير؟
أبا وليد: لستُ وحدي فجميع المهندسين قد ذهبوا مُبّكرًا كما أنَّني سأُرافق كريم.
أُمّ وليد بعدما أودعت جبينه بقُبلةٍ حانية: ليحفظكَ الرحمٰن.
نور دعكِ من العمل اليوم بُنيّتي؟
نور: لا يصّحُ أبي فالأطفال في انتظاري
أبا نور: أمَا تَرينَ هطول الأمطار؟
نور: بلى أبي وهذا ما يُفرحُ الأطفال فيلعبون بماء المطر، ويركضون هُنا وهُناكَ حتّى تبدأُ الحصص.
أبا نور: كما تُريدينَ بُنيّتي.
نور: لا تقلق أبا نور فلستُ وحدي سأذهب برفقة أُمّ ماجدة.
فاتن إستريحي اليوم فالطقسُ غيرُ مُطمئنٍ بالخير.
فاتن: لا تقلق عليَّ جاسر، فهناك مَن ينتظرونَّني، فالمرض لا يتوقف بهطول الأمطار ولا بغيره.
جاسر: حفظكِ اللَّهُ حبيبتي.
فاتن: وأنت حبيبي إعتني بنفسك، ولا تذهب قبل أن تطمئنَّ على عاطفٍ وإسلام فآخر أيَّام إمتحاناتهما اليوم.
جاسر: حسنًا حبيبتي.
عماد لا تذهب حتى أعود.
إلى أين فتحي؟
فتحي: إلى الأستاذ جاسر فقد تأخرتُ عليه.
عماد: حسنًا.. إعتني بنفسك فالماء يملأُ الشارع.
عم عبده أما آن لك أن تذهب؟
عم عبده: لا، فقد غطّئتُ عربتي حتّى لا يُصيبُها ماء المطر.
نزلوا جميعًا ذاهبينَ إلى أعمالهم، سائرين في مياهِ الأمطار ساعينَ نحو أهدافهم، لا يخشونَ برودة الطقس قَدرَ ما يخشونَ التأخر؛ لذا فبعضهم ينظرُ إلى ساعةِ يدهِ ليُجيب بعضهم الآخر السائل عن الوقت، وفي كِلا الحالتين يحتضنونَ حقائب أعمالهم كي لا تُمَّس بقطرة ماء، ولا غرابة في فعلهم فقد اعتادوا ذلك.. ومُؤَكدٌ أنَّ نهايةَ الصبر جبر وأنَّ لكلِ سعيٍ وصول.