الحمدُ لِلَّهِ الذي جعلَ لي في القراءةِ فُسحةً وفرحة.
(نصوص ذهبيّة) وهي حقًّا كذلك، مائة وإحدى عشرَ صفحة، مليئة بالعِظاتِ والعِبَر، أعدّها لنا وترجمها أستاذي الأديب، والمُترجم النابغة (هشام عيد).
لم أَكُن قد قرأتُ لأستاذي أعمال مُترجمة من قبل، وحينَ رزقني رَبّي هذا الكتاب شعرتُ بابنهارٍ بالغ؛ إذ وجدتني أمامَ مُترجمٍ من طرازٍ خاصّ، يُترجمُ الأحداثَ لإحساس، لا النصوص لنصوصٍ وحسب!
قد نقلَ أستاذي إحساسهُ الطاغي على الترجمة لي كَقارئة، فرأيتني أفرحُ ببدايةِ قصة (الأمير السعيد) لأوسكار وايلد، وأبكي حُزنًا على فِراقِ العصفور الطيّب في نهايتها.
كذلكَ قد أخذني أسلوب حضرة أديبنا لداخلِ قصة (الصيّاد والسمكة) لألكسندر بوشكين، فشاهدتُ الصيّاد الطيّب وزوجهُ العجوز التعيسة، وكذا السمكة الذهبيّة الطيّبة.
لم يطلب الصيّاد الطيّب من السمكة أيّ شيء، لكنَّ زوجهُ الغضوب البائسة قد أمرتهُ بطلبٍ ليُخبرهُ للسمكة كي تُلّبيهِ لها، فعلَ ما أرادتْ فما كانَ من السمكةِ الذهبيّة الطيّبة إلَّا أنْ حقّقتْ لهُ مُراد زوجه.
أرى أنَّ مقولةَ "القناعة كنزٌ لا يَفنى" مُتجسّدة في قصة (الصيّاد والسمكة)، فرغم تحقيق السمكة لأحلامِ زوج الصيّاد إلَّا أنَّها لم تشبع حتّى... تُرى ما الذي حَدَثَ لتلكَ العجوز الشمطاء؟!
إنَّهُ لمن الانبهارِ أنْ تَرى كاتبًا مُتمّسكًا بأُمِّ الضادِ وعتاقتها كَتمّسُكِ حضرة أديبنا بها.
لكم أعجبتني مسرحيّة (ميشيل) عن رائعة (ليو تولستوي) للكاتب الإنجليزي (مايلز ماليسون)، وروعة ترجمة أستاذي لها، واهتمامِ حضرتهِ بأدقِ أدق التفاصيل، أحسستُ جُلّ مشاهدها بعد أنْ صوّرَ لي أستاذي تلكَ المشاهد، مع التركيزِ على الشخصيات والإلمام بالجانب النفسي والاجتماعي والعَقَدي لها.
تسبّبَ الفصل الأوّل من المسرحيّةِ في إسالةِ دمعي؛ حُزنًا على حالِ الإسكافي (سيمون) وزوجهِ (ماتريونا) وكذا طفلتهما (أنوكشا)، بينما أصابني الخوف في الفصلِ الثاني منها، تحديدًا حينَ مَزّقَ (ميشيل) جلد الأناكوندا إربًا، وهُنا شعرتُ بما شَعَرَ بهِ (سيمون) من خوفٍ وفزع، وتذكّرتُ مع (ماتريونا) تهديد ووعيد النبيل لهم، حالَ فشلهم في صُنعِ حذاءٍ فائق الروعة.. حتّى أنَّني كِدتُ أنْ أُنادي (أنوكشا) كما فَعَلَ سيمون، لتَرى ما فعلهُ (ميشيل) بجلدِ الأناكوندا!
أمَّا الفصل الثالث فقد أبكاني؛ حينَ عَلِمتُ السرّ وراء حقيقة (ميشيل)، وما أخبرَ بهِ عن تَعلُّمهِ لدروسٍ ثلاث، وكيفَ أنَّ الحُبَّ الطاهر الصادق العاري من الأغراض، يُمكنُ أنْ يكونَ سببًا في حياةِ الإنسانيّة بداخلِ الإنسان.
وعن قصّة (عمّ صاصا) فتلكَ القصة التي خطَّها أستاذي بيمينهِ فأبدعَ فيها أيُّما إبداع!
دُرّة أدبيّة تحوي بداخلها درسًا عظيمًا، لمَن يعي ويتعظ، قد أخذتْ لُبّي فكرة القصّة، وواقعيّة أستاذي في تجسيدِ شخصياتها، بالإضافةِ للسردِ والمُفردات، ناهيكَ عن الأسلوب الأخَّاذ.
عمّ صاصا لو لم يفعل طِيلة حياتهِ إلَّا أنْ أدخلَ السرور على قلبِ بيتر لكانَ خيرًا له، لكنَّهُ اِستزادَ في فعلِ الخير؛ حتّى جعلَ الملاك يقبضُ حُفنة تُراب من قبرهِ ذي الرائحة العَطِرة.
لكم راقتني قصة (الحمامة والثعلب وأبو قردان) عن ابن المقفع، والتي خطّتها يُمنى أستاذي، فكانَ من الجمالِ ما كان.