الحمدُ لِلَّهِ على ما أنعمَ عليَّ بهِ وجاد.
خفايا التاريخ مجموعة مقالات ثقافية مُتنوعة، مائتانِ وستة وعشرون من الصفحاتِ القيّمة، طُبِعَتْ لدار المُثَّقف للنشر والتوزيع، كُتِبَتْ بأسلوبٍ ماتعٍ واضح، سُرِدَتْ بطريقةٍ جميلة، ويكأنَّ الكاتب يحكي لنا ما كانَ من أمرِ مَن كانوا قبلنا بطريقةٍ سهلة جذّابة لا تفتأ تَثبُتُ في الأفئدة.
خفايا التاريخ كِتابٌ قلّما شابههُ كِتاب؛ فحينَ نتحدّثُ عن كُتبِ التاريخ أوّل ما يتبادر إلى الأذهانِ ضخامةِ أحجامها وكثرةِ صفحاتها، وهذا بالطبعِ لا يعيبها إنْ كانتْ مُحِقّة للحقائق مُدحِضة للأباطيل، بعيدة عن الميوعة والتزويق، أمَّا عن كِتابنا هذا فمَن يُسرِ صياغتهِ وإيجازِ مَنطقهِ يُمكنُكَ أنْ تُنهي قراءتهُ في جِلسةٍ واحدة دونَ مَلل، بل على العكسِ تمامًا ستُراودكَ نفسكَ أنْ تُعيدَ قراءتهُ والتي قد أنهيتها للتوّ.
نَجَحَ الكاتب في أخذي من عالَمي الحالي إلى العوالم المُختلفة التي تحدّثَ عنها بداخلِ الصفحات، وجعلني أشعُرُ بأنَّني في رحلةٍ سياحية بينَ أروقةِ الماضي من تاريخنا التليد.
أعجبني كثيرًا الإهداء ثُمَّ المَقولة الأكثر من رائعة للدكتور حسين فوزي والقائلُ فيها: "الأُمّة التي تعرف تاريخها وتعتز بهِ هي الأُمّة التي تعرف كيفَ تُدافع عن حاضرها".
لفتَ اِنتباهي تذكير الكاتب بأنَّ التاريخ لا يَرحم أحدًا مهما بلغتْ بهِ الرُتَب، ومهما حاولَ المُزيّفونَ من سترِ عوراتهم التي عرّاها التاريخ، حينَ سطّرَ فِعالهم القبيحة فلن يُفلِحوا؛ وإلَّا ما كُنّا لنعلمَ عن قبيحِ فِعالِ مَن كانوا قبلنا شيء.
ظَهَرَ جليًّا اِلتزام الكاتب بالصدقِ وعدم الحيد عنه، حتّى في ذِكرهِ لما يخصّ وطنه وحضارته، فلم يتحدّث عن المزايا والجماليات كما هو معهود، لكنَّ حضرتهُ قد فاجأني بصدقهِ الخالص حينَ ذَكَرَ ما يورايهِ غيره في الحديثِ عن هذا الخصوص.
أبدعَ الكاتب في عدمِ تسليمهِ للأخبارِ المُتناقلة دونَ تفحيصها وتمحيصها بالعقلِ وما كانَ عليهِ الحال فترة حدوثها، وأستدلَّ حضرتهِ بموقفٍ شاهدهُ أثناء دراستهِ بالمرحلةِ الثانوية؛ حينَ أخبرهم مُدّرس التاريخ خبرًا مكذوبًا عن البرامكة، لكنَّ المعلومة قد ثَبتت في دماغهِ حتّى بحثَ واطلّعَ فكانتْ الحقيقة هي عكسِ ما قالهُ المُدّرس.
خفايا التاريخ تُحفة أدبية نفيسة في زمنٍ عَزَّ فيهِ نفائس الكُتب.
لاحظتُ الاجتهاد الشخصي للكاتب من خِلالِ بحثهِ وتحرّيهِ الحقائق حتّى لو كانتْ على حسابِ رأيٍ كانَ يعتقدهُ، فهَمَّهُ الأوّل والأخير هو إظهار الحقيقة وزَهق الباطل، بعيدًا عن الميول والأهواء.
خفايا التاريخ هو من أفضلِ الكُتب بالنسبةِ لي، فقد عرفتُ منهُ أمورًا لم أَكُن أعلمها، ووضحت لي حقائق كُنتُ أجهلها.
خفايا التاريخ وجبة أدبية مُتكاملة الفوائد، تمتاز بالمُتعة والسلاسة والإيجاز، سُطِرَتْ بأحرُفٍ مِن جُهدٍ وكدٍّ وسعيٍ من مؤلفها لإظهارِ الحقّ وأخذ العِبرة.
أحببتُ التنوع بينَ ما طرحهُ الكاتب من أسئلةٍ عميقة تحترم العقل وتُقدّره، كما راقني ذِكر حضرتهِ لبعضِ أقصوصاتٍ من أزمنةٍ مُختلفة لبعض الحُكّام، وكيفَ ذكرهم التاريخ بالتناقض بينَ ما كانوا عليهِ وما آلتْ إليهِ أحوالهم.
خفايا التاريخ مجموعة مقالات ثريّة ومُغذّية للعقول، أنصح بهِ لمَن التبسَ عليه الأمر بقراءةِ التاريخ، ولمَن لم يَعُدّ يثق في كُتبِ التاريخ بعد ما زيّفها البعض وأرادوها طِبقًا للأهواء، فهذا الكتاب مُستندٌ على الحُجةِ والبُرهان، والدليل العقلي والمنطقي، وما حقٌّ كما هو دونَ إضافة رتوش أو تزويقهِ بما ليسَ فيه.
خفايا التاريخ سياحة ثقافية لأحداثٍ ماضية بطريقةٍ اِمتازتْ بالروعة بعيدًا عن الرتابة والتكلُّف.
إنْ جازَ لي وصف هذا الكتاب فأصِفهُ بالجامعِ الماتعِ السهلِ المُيّسر.