رُغم خوفهِ من المعيزِ وشكلها، إلَّا أنَّهُ يُحِبُّ تناولَ لحمها بطُرقٍ مُتنوعة؛ سواء أكانتْ في حساءٍ رائعٍ وشهي أو مشويّة.
لم يَكُن يعلم يومًا أنَّهُ سوفَ يدلف عالَم المعيز!
بيتٌ فسيحٌ تقدُمهُ حديقةٌ غَنَّاء وتخلُفهُ حظيرةُ أغنام، تقوم الأرملة البيضاء بتربيةِ الأغنامِ، ومن ثَمَّ صُنع الجُبن والزُبد من ألبانها، وسُمّيتْ بالأرملةِ البيضاء؛ نَظرًا لإرتدائها جلبابًا أبيضًا كانَ يُميَّز زوجها عن غيرهِ مِن التُجّار، فلمّا ماتَ وَرِثَتْ هي جلبابهُ كما وَرِثَتْ صَنعتهُ.
ذات صباحٍ أرادتْ الأرملة البيضاء أنْ تُعلِّمَ نجلها اليافع تحمُّل المسؤولية، والإعتماد على الذاتِ بعدَ اللَّهِ سُبحانَهُ وتعالى، فكانتْ هذهِ الفكرة.. وضعتْ لهُ في حساءِ الماعز الذي يُحِبُّهُ بُعيضًا من شعراتٍ سوداء، حتّى إذا ما أقبلَ على الطعامِ بفرحٍ ونَهمٍ فاجأتهُ تلكَ الشعرات.
نَظَرَ للحساءِ بعينينِ مُحملقتينِ، ثُمَّ تركَ الملعقة من يدهِ وشَكَرَ أُمّهُ على طهيها للطعامِ الذي يُحِبّ، وخرجَ للحديقة يتنّفس الهواء الطلق.
خرجتْ وراءهُ الأرملة البيضاء لتسألهُ عن سببِ عدم تناولهِ الحساء، فاجأها بإجابتهِ: سَلمتْ يُمناكِ أُمّي، بالتأكيدِ سيكونُ لذيذًا كَعادةِ طعامكِ الذي تطهين.
نَظَرَتْ إليهِ بدهشةٍ قبلَ أنْ تُضيف: لكنَّ بهِ بُعيضًا من الشعراتِ السوداء.
تبسمَ لها وتابع: لا بأسَ أُمّي، رُّبما سقطتْ منكِ في الإناءِ رغمًا عنكِ، كما أنَّ الحياةَ ليستْ دائمًا رائقة، فهُناكَ مُنّغصاتٌ تُلّونُ بعض أجزائها بالسواد، كما فعلتْ بُعيض الشعرات السوداء بالحساء.
فَرِحتْ بفِطنةِ ولدها، ثُمَّ سألتهُ: إذًا ماذا ستأكل ولدي؟
أجابها بعدما قامَ بقطفِ بعضًا من أوراقِ الريحان: سأطهو طعامًا خفيفًا من الطماطمِ وورقِ الريحان.. هل ستأكلينَ معي أُمّي؟
أجابتهُ ببسمةٍ صافية: بالطبعِ سأفعلُ ولدي، فأكثر منهُ دونَ تبذير.