أفتقدُك، قالتها بأنينِ نياطها، بعدَ زمنٍ من البُعاد، شَعرتْ بوخزٍ في أيسرِ صدرها، وضعتْ يدها عليهِ وضغطتْ لتكتُمَ وجعها، ثُمَّ أخذتْ تدعو اللَّهَ ألَّا يُصيبهُ أذىً أبدًا.
الوجع هذا المُعلّم الذي يُعلّمُ مَن حَلَّ بهِ ما لا يتعلّمهُ إلَّا به؛ فالموجوع لا يعود كما كانَ قبلَ أنْ يُوجع، والوجع أنواع، أقساها ما كانَ بالمُضغةِ التي بسلامتها تسير حياة الجسد على ما يُرام.
لا تُحاول إصلاح كسرٍ قد أحدثتهُ بقلبِ أحدهم، سواء أكنتَ قاصدًا أم غير مُتعمّد؛ فالنتيجة أنَّكَ كسرتَ ما كسرت، وما كُسِرَ لا يُجبَر، وما فسدَ لن يُصلّح، حتّى وإنْ أظهرَ المكسور غير ذلكَ من التعافي، لا تُصدقه، فمَن ذابَ قلبهُ وجعًا لا ينسَ أبدًا وجعهُ ومَن أوجعه.
لا تَكُن عبئًا عليهِ يكفيهِ ما أحدثتهُ بقلبه، دعهُ وشأنهُ ولا تُكثر عليه.
أوجعُ ما في الحياةِ أنْ تتعايش، تُكسَر فتتعايش مع مَن كسرك، تُظلَم فتتعايش مع مَن ظلمك، تُجرَح فتتعايش مع مَن جرحك.
تبًّا للتعايُشِ الذي يقتلُ في النفسِ ما لا يُمكن أنْ تُحييهِ سعادة الدُّنيا، تبًّا لمَن يخونُ عهد صاحبه، تبًّا لعالَمٍ يسودهُ الظُلم، الظُلم في كُلّ شيءٍ حتّى في حُضنِ الابن لأبيه؛ فهذهِ غرّتها الدُّنيا فراحتْ تستندُ لقانونِ الأرض لتجورَ على زوجها في حقَّهِ من الأُبوّة، وتلكَ ضربتْ بأوامرِ اللَّهِ عرضَ الحائط لتفعلَ ما يحلو لها باسم الحُرّية المُطلقة.
أتساءل: كيفَ لامرأةٍ منعوتة بالأُمومةِ أنْ تحرمَ طفلها من حُضنِ أبيه؟
لا عُذرَ من حرمانِ الابن من أبيه، مهما حَدَثَ فلن يكونَ أصعب من مصيرِ طفلٍ لم يشعر بالأُبوّة، ولم يكتفي من الحنان والعطف.
إلى مَن تضع نفسها موضع الرَجُل، وتظنّ نفسها لا حاجةَ لها به، حسنًا، لِمَ لا تُنجبينَ وحدكِ ما دُمتِ تُريدينَ أنْ تكوني الأب والأُمّ في آنٍ واحد؟
لِمَ تتزوجينَ من رَجُلٍ لتحرميهِ فيما بعد من فلذةِ كبده؟
لماذا لا تحملينَ وتُنجبينَ وتضعينَ وتُربّينَ وحدكِ؟
سيرى البعض أسئلتي غير عقلانية، لكنَّها عقلانية جدًّا مُقارنةً بالعقلِ الموجهة إليه.
إلى كُلّ أبٍ محرومٍ من ريحانة فؤاده: لا تُحاول التبرير لمَن أخطأ بحقّك، ولا تتنازل عن حقّكَ في ابنكَ مهما حَدَث، ولا تتركهُ في يدٍ غير أمينة، حاول وحاول وحاول إلى أنْ يقضيَ اللَّهُ أمرًا كانَ مفعولًا.
لا تغرّنكم دموع بعض النساء فهُناكَ رجال مقهورون، مفطورونَ على فلذاتهم، وهُناكَ نساء مقهورات كذلك، الابن فرعُ أبيه، أخرجهُ اللَّهُ من صُلبهِ ليفرحَ بهِ ويشدّ عضده فيما بعد، أمَّا أنْ تُقرَر رؤية الأب لابنهِ بساعاتٍ محدودة أسبوعيًا فأينَ فضل الأب إذًا؟
إذ يُعامَل كَالغريب، لا هو قد أشبعَ أُبوّتهُ من ابنه، ولا ابنهِ قد اِكتفى من عطفهِ وحنانه، بينما هو في حُضنِ أُمّهِ ليلَ نهار.
في مراحلِ الطفل الأوليّة من عُمرهِ يحتاج لوالديهِ معًا؛ ليتأسس تأسيسًا صحيحًا لا اِعوجاجَ فيه، لكنْ أنْ يكونَ مُقيمًا مع طرفٍ دونَ الآخر، فهذا بالطبعِ سيؤثر عليهِ نفسيًا وسلوكيًا، وستظهر نتائجهُ على المدى البعيد.
سيقول قائل: إذًا عَلَاَمَ يتطلقانِ بعد الإنجاب؟
الطلاق قد يكون حلًّا إنْ اِستحالتْ العِشرة بينَ الزوجين، لكنَّ الذي يقصم ظهر بعض الرجال هو جَور طليقاتهم وحرمانهم من فلذاتهم.
ورغم أنَّ القانون قد يقتضي بموجبهِ تحديد موعد ومكان لرؤيةِ الابن، إلَّا أنَّ بعض النساء اللاتي لا يتقينَ اللَّه تحرم طليقها رؤية ابنه.
ولا زالَ البعض يشكو من قانون الحضانة لِما لاقاهُ من ظُلمِ الطرف الآخر.. واللَّهُ المُستعان.