سُبحانَ مَن يَخلقُ من الضيقِ مُتسعًا!
حينَ يُقدّرُ اللَّهُ أمرًا لعبدهِ فإنَّهُ يتوّلاهُ ولايةً كاملةً لا نَقصَ فيها؛ فإنْ قَدّرَ عليهِ الفقر خلقَ لهُ أسباب الغِنى وعليهِ السعي حتّى يبلغها، وإنْ قَدّرَ لهُ المرض أنزلَ لهُ الدواء وأَذِنَ لهُ بالشفاء، وعليهِ أنْ يأخذَ بالأسبابِ لينالَ مُبتغاه.
مُذ خُلِقَتْ الدُّنيا وإلى الآنِ وهي هي لا تَثبُت على حال، تخلو من الديمومة، تفتقر للخلود، تَنقُصها الراحة، هكذا فُطرنا عليها وهكذا تأقلمنا.
فإنْ حَدَثَ لكَ ما لم ترغب فيهِ لا تحزن وقُلْ قَدّرَ اللَّهُ وما شاء فعل، وإنْ حَدَثَ لكَ ما يُتعبكَ فأنظر لأصلِ ما أتعبكَ واستعِن باللَّهِ على اِجتزازهِ ولا تَعجَز.
لا تَكُن ضَيّق الأُفق، فقير الخيال، ناقص الإرادة، مُعدَم العزيمة، ضعيف الإصرار، فاقد الطموح، فتنظر لضِيقِ حالكَ بعَينِ التسليم، لا تَفعل فتندم، بل اسعى واسعى واسعى، ثُمَّ حاول وحاول وحاول حتّى تُغيّرَ ما لم تراهُ مُناسبًا لكَ من وضعٍ فرضتهُ عليكَ الظروف، فأنتَ بعَونِ اللَّهِ قادرٌ على فِعلِ ذاكَ.
لا تتأقلم مع وضعٍ لا يُناسبكَ، ولا تَقبل بأقلِ ممّا تستحق، ولا تَرضى بما لا يَليقُ بكَ فقدركَ أنتَ أعلمُ بهِ، حافِظ على مكانتكَ بعَينِ نفسكَ؛ فهي التي تُعينكَ على مُواصلةِ مسيرتكَ في الحياة، يُمكنُكَ أنْ تواصلَ سيركَ في طريقِ الحياةِ حتّى وإنْ تغيّرتْ مكانتكَ بعيونِ الآخرين؛ لأنَّهم يَرونكَ بعيونهم هُم، لكنْ لا يُمكنُكَ المواصلة ما تغيّرتْ مكانتكَ بعَينِ نفسك.
كُن مع اللَّهِ تُيَسر لكَ المصاعب، كُن مع اللَّهِ تُذَلل لكَ الأهوال، كُن مع اللَّهِ تَرى الدُّنيا على حقيقتها، كُن مع اللَّهِ تَعِش مُميّزًا عن غيركَ من الخلائق؛ فمَن كانَ مع اللَّهِ كانَ اللَّهُ معهُ، ومَن كانَ اللَّهُ معهُ مُيِّزَ عن غيره.