يومٌ حزينٌ بالنسبةِ لها؛ يوم وفاة زوجها الغالي، حبيبها وصديقها ورفيق دربها وأبو أبنائها، تُوفي عنها في فترةٍ عصيبة من حياتها؛ فهي امرأةٌ شابّة في عِقدها الثالث، أُمٌّ لثمانيةِ أبناء، ليسَ لها عائل ولا مُساند، فماذا تفعل وهي مغلوبةٌ على أمرها؟
إلى أينَ تذهب بأبنائها؟
و إلى مَن ستذهب؟
فوّضتْ أمرها للَّه _سُبحانَهُ وتعالى_ وأغلقتْ قلبها على جُرحها، وبدأتْ مرحلة جديدة من حياتها؛ مرحلة (كفاح أرملة) ظلّتْ ترعى أبنائها، بحنانِ الأُمّ وعطفِ الأبّ في آنٍ واحد؛ فكانتْ لهم نِعمَ الأُمّ والأبّ، وعندما كَبُرَ أكبرَ أولادها أوكلتْ إليهِ فِلاحة الأرض البسيطة التي تركها أباه، ظَلَّ الفتى يعمل في أرضهِ حتّى أحيا اللَّهُ الأرض على يديه.
ابتاعتْ أُمّ الأيتام جزءًا من أرضها؛ كي تُزوج بناتها اللاتي بلغنَّ سِن الزواج.
قرر الابن الأكبر الذهاب للعمل خارج البلاد؛ كي يُعِدَّ نفسهُ للزواج، وأوكلَ الأرض لأخيهِ الأصغر، الذي كدَّ واجتهدَ فيها، وأطاعَ أمر أُمّه في شراء بعض المواشي.
وتمّر الأيَّام والسنون ويُرسل الابن الأكبر ما أدّخره من مال؛ ليُزوج بهِ شقيقهُ الأصغر، وبدأ من جديد يعمل ليُعِدَّ نفسهُ هو، حتّى أتَمَّ المال المطلوب للزواج ثُمَّ عاد إلى بلدهِ وتزوج.
وكَبُرَ أصغر الثمانية وذهب لخارج البلاد؛ للعمل ومن ثَمَّ تزويج نفسه وقد فعلَ وتزوج.
كافحتْ الأرملة أُمّ الأيتام؛ حتّى أتمّتْ رسالتها في الحياة على أكمل وجه، وما زالت تُكافح لأجل أحفادها؛ الذين عوّضها اللَّهُ بِهم عن تَرمُّلها وهي في ريعانِ شبابها.
هكذا تحلو الدُّنيا ،أنْ تعيشَ لغيرك؛ فحقًّا لا يستحق العيش مَن عاشَ لنفسه.