غريبٌ أمر الإنسان، خصوصًا الجدّاتِ منهُ، كانتْ جدّتي _رَحِمَها اللَّه_ تُحِبُّني كثيرًا جدًّا رُّبما أكثر من أُمّي التي هي وحيدتُها، حتّى أنَّها لّقبتني بالدكتورة مُنذُ بلوغي السادسةَ عشر.
أعطتني لقبًا ولم تأخذهُ منّي حتّى قُبِضَتْ، وفي يومِ وفاتها وبعدَ أنْ شَيّعها الرّجال، حَدّثتني زوج خالي (أُمّ طه) أنَّها رَحِمَها اللَّهُ ما كانتْ تنطقُ اسمي إلَّا أنْ تنطقَ قبلهُ الدكتورة مريم.
رأتني بعَينِ قلبها الحنون، ولُبِّ عقلها الرزين، جدّتي التي أنا بضعةٌ من بضعتها، جدّتي التي كانتْ تدعو لي دعواتٍ لم ولن يدعو لي بِها غيرها.
جدّتي التي كانتْ تَعرِفُ من وجهي ما أودُّ قولهُ قبلَ أنْ أنبسَ ببنتِ شفة!
أحببتُكِ حُبًّا لا يعلمهُ إلَّا رَبّي أيا جدّتي، وعلى قدرِ الحُبّ كانتْ الغلاوة، وعلى قدرِ الغلاوة كانَ ألم الفِراق.. رَحِمَكِ رَبّي ورَضِيَ عنكِ يا أوّل مَن شاهدتُ من الأموات.