ظُلِمَ حينَ طُرِدَ من بيتِ أبيه بعد موتهِ؛ إذ تفاجأ بأنَّ البيت مكتوبًا لعمّهِ وقد خبّأ أباهُ عنهُ الخبر خوفًا من حدوثِ مشكلات وتفرقة، فلّما مات أخرجَ العمّ حُجتهُ وطرد ابن أخيه.. أخذَ زوجهِ وبَنيهِ وذهبَ ساعيًا في أرضِ اللَّهِ الواسعة حتّى وجدَ طلبهُ فاستقرّ وكوّن لنفسهِ مكانًا عُرِفَ بهِ حتّى بعد موت آخر حفيد من نسله.
تفقدهُ فوجدهُ مُلائمًا لهُ فقرر الإقامة بهِ وجعلهِ مأوًا لهُ ولحفدتهِ من بعده.
سنُقيمُ هُنا أُمّ مُضَر فهذا الجبلُ بهِ ما نُريد.
أُمّ مُضَر: وأين المَبيتُ أبا مُضَر؟
أبا مُضَر: هُنا في حِجر هذا الجبل سنَبيت .
أُمّ مُضَر: هُنا، ألا تخشى علينا من السباع؟
أبا مُضَر: لا سباع في هذا الجبل، فلا زرعٌ ولا ماءٌ ولا رعيٌ فلِمَ تأتِ السباعُ إذًا؟
أُمّ مُضَر: حسنًا، ولكنْ كيف سنقتاتُ إذًا؟
أبا مُضَر: سيُدّبرُها اللَّهُ كالعادة جليلة.
أُمّ مُضَر: ونعم باللَّهِ العليّ العظيم،أعانكَ اللَّهُ علينا ديهوم.
أبا مُضَر: بل وَسَّعَ اللَّهُ رزقي لأُوسّع عليكم.
أُمّ مُضَر: آمين، والآن هيّا لنبدأ العمل.
أبا مُضَر: أيُّ عملٍ يا امرأة؟
أُمّ مُضَر: تهيئة هذا الحِجر لنُقيم به.
أبا مُضَر: ومَن سيفعلُ ذلك أُمّ مُضَر؟
أُمّ مُضَر: نحنُ، أنت وأنا ومُضَر وزبرقان وعدنان وعابدة.
أبا مُضَر: أدامكمُ اللَّهُ لي، ولكنَّ هذا العمل شاقٌ، فلا تُتعبي نفسكِ وعابدة؛ فأنا والفتية سنقومُ به.
أُمّ مُضَر: كما تُريدُ أبا مُضَرٍ ديهوم، والآن لنذهب أنا وعابدة!
أبا مُضَر: إلى أين؟
أُمّ مُضَر: سنبحثُ هُنا وهُناكَ علّنا نجد شيئًا نطهوهُ لكم.
أبا مُضَر: كما تُريدينَ لُبَ الفؤاد وخُذي حِذركِ.
أُمّ مُضَر: حسنًا.
مُضَر.. زبرقان.. عدنان سنقومُ بتحطيم هذه الصخرة، ثُمَّ نُنظف مكانها، ونفترشُ الكهف بحُطامها.
مُضَر: حسنًا أبي.
زبرقان: لديّ رأيٌ آخر أبي إنْ أَذِنت لي.
أبا مُضَر: تفضّل بُنيّ.
زبرقان: سنُحطم الصخرة ونُحطم الكهف الذي يحتويها؛ لنجعلها دارُ ضيافتنا، ثُمَّ نأخذ الحُطام نفترش به ذلك الكهف البعيد نوعًا ما، ليكون محلُّ إقامتُنا.
أبا مُضَر: حسنًا، إذًا سنفعل ما قُلتَ زبرقان.
عدنان: أبي أويكفي ما معنا من جلودٍ لغطاء دار الضيافة ومحلُّ الإقامة؟
أبا مُضَر: سنرى حينَ ننتهي من عملنا هذا.
أُمّي عمَّ تبحثين؟.. ففي هذا الجبل لا طيرٌ ولا حيوان!
أُمّ مُضَر: إصمتي فأنتِ قليلةُ الخبرة، فبعض الحيوانات لا تُقيم إلَّا في موضعٍ كهذا.
عابدة: ولكن أُمّي.....
أُمّ مُضَر مُقاطعةً: إذًا ما هذا عابدة؟
أليسَ جَديٌ بريّ؟
عابدة مُندهشة: أحقًّا ما أرى أُمّي؟
أُمّ مُضَر: أجل، فهذا النوعُ من الماعز يعش في الجبال، والآن لنُمسك بهِ هيّا.
عدنان أجهّزتَ لنا الجلود، فقد أنهينا العمل كما ترى بُنيّ؟
عدنان: نعم أبي ها هي.
أبا مُضَر: هيّا بنا يا رجال لنُغطي كهفنا ونفترش بالباقي دار ضيافتنا.
الفتية: حسنًا أبي هيّا بنا.
أرأيتِ عابدة كيف تعتمدينَ على اللَّهِ ثُمَّ على نفسكِ، فلا شيء مستحيلٍ بُنيّتي.
عابدة: صدقتِ أُمّي.
أُمّ مُضَر: والآن قد أنهيتُ سلخها وبقيَ لي أنْ أطهوها، فكيف أجدُ النَّار؟
عابدة: دعي هذا الأمر لي أُمّي.
أُمّ مُضَر: ماذا ستفعلينَ أختَ مُضَر؟
عابدة: سترينَ بعد قليلٍ أُمّي.
أُمّ مُضَر: وفقكِ اللَّهُ بُنيّتي.
هيّا ارفع إليَّ زبرقان فلا زالت بعيدةٌ عنّي.
زبرقان: تفضّل أبي، أمسك بها جيّدًا، فلو أُفلتت لن أقدرُ على الإمساك بها ثانيةً إلَّا بعد البدء من جديد.
مُضَر: لا تخف أخي، فقد أمسكتُها أبي.
أبا مُضَر: حسنًا فعلت بُنيّ، والآن أدخلها في هذا الوتد هيّا.
مُضَر: قد فعلتُ أبي.
زبرقان: الحمدُ لِلَّهِ قد نجحنا.
أبا مُضَر: الحمدُ لِلَّهِ الذي أعاننا على إتمام عملنا.
عدنان: أبي قد ربطتُ بعض الجلود ببعض لعمل باب لدار الضيافة.
أبا مُضَر: سَلِمت يداك عدنان.
الحمدُ لِلَّهِ قد عُدتُ أُمّي.
أُمّ مُضَر: الحمدُ لِلَّهِ، إذًا ما هذا الذي تحملينهُ عابدة.
عابدة: هذه أدواتي لإشعال النَّار التى سنطهو عليها الجَدي!
أُمّ مُضَر: أبهذهِ ستشتعل النَّار؟
عابدة: أجل.
أُمّ مُضَر: حسنًا لنرى.
عابدة: بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ قامت بعمل إحتكاكٍ بين حجرينِ حتّى بدت منهما شرارة صغيرة التقطتها بعودٍ من الحطب لتشتعل النار.
أُمّ مُضَر: نِعمَ الفتاةُ أنتِ، والآن لنقُم بشواء هذا الجَدي.
عابدة: وأنا سأجلبُ المزيد من الحطب.
أُمّ مُضَر: هيّا ولا تتأخري.
الحمدُ لِلَّهِ قد أقمنا البابان للكهفِ ودار الضيافة.
نعم مُضَر وقد أصابنا التعب.
مُضَر: صدقت زبرقان.
أبي لم يتبّقى من الجلودِ شيء.
أبا مُضَر: ونحنُ لا نحتاجُ لمزيدٍ من الجلود، فقد كفوتنا بما أعطيتنا والحمدُ لِلَّهِ عدنان.
عدنان: حسنًا أبي، يا رجال ما هذهِ الرائحة؟
مُضَر: رائحةُ شيءٌ ما يحترق.
زبرقان: بل رائحةُ شواء.
أبا مُضَر: رائحةُ شواء جَديْ؛ إذًا فأُمّ مُضَرٍ قد طهت لنا طعامًا، لنذهب خلف الرائحة.
عابدة أَمْسِكِي جيّدًا فقد نَضُجَ الجَدي.
عابدة: حسنًا أُمّي، ولكنْ أسرعي فهذا السيخُ ساخنٌ جدًّا.
أُمّ مُضَر: ها قد أسرعت، هيّا لنضعهُ على هذا الرداء وحذاري أنْ تُفلتيه!
عابدة: حسنًا أُمّي، لنقُل بِسْمِ اللَّهِ هيّا.
أُمّ مُضَر: أحسنتِ بارك اللَّهُ فيكِ بُنيّتي.
بل بارك اللَّهُ لي فيكما تاجانِ رأسي وروحا قلبي.
أبا مُضَر حمداً للَّهِ على قدومك، فقد كِدنا أنْ نيأس من وصول هذا الجَدي لكم؛ لبُعد المسافة ولا زال ساخنًا.
أبا مُضَر: سَلِمت يداكما جليلة وعابدة، والآن لنحمل عنهما هذا الجَدي، وهذهِ الأواني هيّا بنا يا رجال.
أُمّ مُضَر: إلى أين؟
أبا مُضَر: إلى بيتنا جليلة.
أُمّ مُضَر: بيتنا.. بيتنا نحنُ هُنا.
أبا مُضَر: أجل، هيا لتري.
مُضَر هَلاَّ ساعدتني في حَمل الجَدي؟
مُضَر: هيّا زبرقان، بِسْمِ اللَّهِ.
عدنان عليك بحَمل ما تبّقى من أشياء.
حسنًا زبرقان سأفعل.
ها قد وصلنا جليلة حبيبةُ ديهوم..
ما شاء اللَّهُ لا قوة إلَّا باللَّهِ، اللهمَّ بارك لنا فيه.
أأعجبكِ جليلة؟
أُمّ مُضَر: وكيف لا يُعجبُني وقد تحمّلتم من التعب ما تحمّلتم لأجل راحتنا، بارك اللَّهُ فيكم.
أبا مُضَر:هيّا لتدخُلي الدار لتُباركيها.
أُمّ مُضَر: بِسْمِ اللَّهِ، ما هذا الجمال ديهوم؟
أبا مُضَر: الجمالُ لمَن يستحقُ الجمال جليلة .
هيّا فلذاتي لتدخلوا.
مُضَر: لتكن عابدة أولنا دخولًا فهي تاجُ رؤوسنا.
زبرقان: صدقت أخي.
عدنان: حسنًا قُلت أخي.
عابدة: بارك اللَّهُ لي فيكم ولا حرمني إيَّاكم تيجانُ رأسي.. بِسْمِ اللَّهِ.
والآن لنتناول طعامنا فقد أضعفنا الجوع.
حسنًا أبا مُضَر، عابدة هيّا لتجلبي الماء.
أبا مُضَر: من أين تجلب الماء؟
أُمّ مُضَر: لا تقلق فقد وجدت بئرًا فملأت لنا منه القِربة.
أبا مُضَر: سبحان اللَّهِ كما أقولُ دائمًا عابدة وجهُ الخير.
عابدة: سَلِمتَ أبي، الماءُ أُمّي تفضّلي.
أبا مُضَر: ستذهبينَ معي في الصباح لتُريني بئرُ عابدة!
عابدة: بئرُ عابدة.. وماذا عنهُ؟
أبا مُضَر: البئر الذي وجدتِ؛ فقد أسميتهُ عابدة وسيظلُّ هكذا إلى حَفَدِتُنا.
عابدة فَرِحةً: حسنًا أبي.
مرّت الأعوام وأصبح جبل ديهوم _كما أُطلق عليه فيما بعد _ أهلًا للسكان من القُرى المجاورة لهُ، وقد اختلط نَسب ديهوم بنسب المُقيمين معهُ؛ من خلال زواج ابنتهِ من ابنُ أحدهم، وكذا زواج أبنائه الثلاثة من بناتهم؛ وقد نتج عن هذا الزواج الكثير من الحفدة ممّا جعل الصلة بين ديهوم والمُقيمين أقوى ممّا كانتْ عليه، وبقدوم العام الف وتسعمائة وثلاثين أصبح جبل ديهوم مقبرةً بعد موت آخر حفيد من صُلب ديهوم..
لم ينتهي الأمرُ عند هذا الحدّ؛ فقد وجدوا رقعةَ جلدٍ تُخبر بأنَّ لديهوم أرضٌ شاسعة في إحدى المناطق تُسمى ب دير ديهوم.. وبها بعض
السُكّان!