سماءٌ مُلّبدةٌ بالغيوم، رائحة الموت في كُلِّ مكان، الحُزنُ قد خيَّمَ وأقام، البرودة تسري في عروقِ الأحياء، تلكَ العروق المُفتقرة للدِّماء.
أجسادٌ نحيلة، بروز العِظام يَدُلّ على قسوةِ هذا العالم، الوجوه الشاحبة تَدُلّ على دناسة داعمي قتل الإنسانيّة، الحسرة القابعة في الأعيُنِ تَدُلّ على إنبطاحِ العرب.
جُثث الشُهداء المنثورة هُنا وهُناكَ تَدُلّ على خيانةِ كُلّ مُنتسبٍ للإنسانيّةِ والعروبةِ والإسلام؛ وإلَّا فليُثبت كُلّ مُنتسبٍ ما نُسِبَ إليهِ فعلًا.
رائحة الشواء تعمّ أرجاء المكان، لكنَّها ليستْ لشواءِ لحم البقر أو الغنم.. إنَّها لشواءِ أُناسٍ!
أُناس جُلّ ذنبهم أنَّهم يُدافعونَ عن كرامتهم، يُقاومونَ عدوّهم، يتصدّونَ لمَن سرقَ أرضهم.
لا أحدَ ينجو هُنا، لا أحد بلا اِستثناء، فالمحارق التي يُعدّها بني صهيون تشمل الإنسان والطير والشجر والحيوان، ناهيكَ عن حفرِ ما يزيد عن العشرةِ أمتار، ثُمَّ وضعَ حرائرنا الغرّاويّات بها وهُنَّ على قيدِ الحياة.. تبًّا لأبطُنٍ ما حملتْ رجالًا!
على صعيدٍ آخرٍ قومٌ يكادونَ يعبدونَ لاعب كُرة قدم، فأكرموهُ بما لم يُكرموا بهِ أحدًا من بني عروبتهم وإسلامهم!
ناهيكَ عن حياةِ البذخ والترف التي أعدّوها لهُ مُسبقًا؛ كي يستطيع أنْ يُسجلَ بشبكاتهم ما شاء من الأهدافِ بمزاجٍ رائق، وفي سبيلِ ذلكَ تُنفق الملايين بل والمليارات.
أينَ أنتَ يا ابنَ الخطّاب؟
أينَ أنتَ يا سيّدي لتردَّ الشيء لأصله؟!
نجتْ من مِحرقةِ البارحة بأعجوبةٍ هي ورضيعها، لكنَّ زوجها وأُمّها وأبيها وإخوتها الست وأبناءها الأربع.. قد حُرِقوا جميعًا أمامَ ناظريها!
لم تستطع أنْ تُنقذهم، بل إنَّها لم تَقوى على إنقاذِ تؤام رضيعها؛ فهي لا زالتْ في فترةِ النِفاس.
قاومتْ اليأس وتحاملتْ على نفسها حتّى وصلتْ لمكانِ المِحرقة، نظرتْ فرأتْ أهلها قد أضحوا رمادًا، اِقتربتْ منهم وجلستْ ثُمَّ أسندتْ رأسها على رأسِ رضيعها النازف؛ إثر شظايا مُسيّرة صهيونيّة.
أسندتْ رأسها على رأسهِ ويكأنَّها تستمد منهُ بعض القوّة، لكنَّ العدوّ لم يُمهلهُما طويلًا؛ إذ هجمَ عليهما وأخذهما ثُمَّ أضرمَ النّارَ بهما.. ليلحقا بآلالفِ الأبرياء.