دلفَ المُعلّم فصله بالمدرسة الإبتدائية وألقى التحيّة على تلامذتهِ ثُمَّ أخذ يكتب عنوان الدرس فكانَ رَد السلام.. نَظَرَ هيثم لصديقهِ هشام وهَمَسَ لهُ قائلاً:يبدو أنَّ رَد السلام ذو قِيمة عظيمة وفوائد عميمة وإلَّا ما جعلهُ المُعلّم عنواناً لحصة اليوم.
أومأ هشام مُبتسمًا.
أمسكَ المُعلّم بيدهِ بعض الحَلوى وقال: سأُلقي عليكم الآن تحيّة الإسلام، فمَن رَدَّها عليَّ سأُعطيهِ هَدية وأشارَ إلى الحَلوى، فالسلامُ عليكم ورحمةُ اللَّهِ وبركاته.
رَدَّ الجميع بصوتٍ واحد: وعليكم السلام ورحمةُ اللَّهِ وبركاته.
تبسمَ المُعلّم وأضاف: قد تحفزتم للهدية رُغم تواضعها وفنائها، فما بالكم بهدية عظيمة باقية، ليس هذا فحسب بل ورافعة من شأن صاحبها؟
سألهُ هيثم في فضول: وكيفَ لنا بها حضرة مُعلّمي خالد؟
شَكَرَ المُعلّم تلميذه على سؤالهِ الجميل وأضاف: قد جاءت الأحاديث النبوية الشريفة لتُبيّن أهمية السلام وجزاءه، ومن ذلك قول رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ألا أدُلكم على شيءٍ إذا فعلتموهُ تحاببتم؟.. أفشوا السلامَ بينكم" وقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ جزاء إلقاء التحية (السلامُ عليكم ورحمةُ اللَّهِ وبركاته) ثلاثينَ حسنة، وغير ذلك من الأحاديث، والعِبرة أبنائي أنَّ إلقاء السلام وردّهِ يُكسبكم حسنات باقية عند اللَّهِ ومحبة فيما بينكم.
شَرَدَ هشام بذهنهِ ليتذكّرَ كيف كانَ فِعلهِ من رَد السلام.
السلام عليكم ورحمةُ اللَّهِ وبركاته.
هشام لماذا لم تردَ السلام؟
لستُ راغبًا في ذلك أبي.
ولِمَ بُني؟
هكذا أبي يكفي أن ترد أُمّي.
أخذ الأبّ يوضح لهُ ولكن دونَ جدوى.
هشام لتردَ على الرجل السلام.
لن أفعل.. أتراني فارغًا؟
وما دخل هذا بذاك؟
أنا الآن ألعب وأمرح مع أصدقائي ولن أُضيعَ الوقت في ردِ السلام.
غَضِبَ عمرو من مقالتهِ فتركهُ وذهب.
أحسَّ هشام بالحُزن على ما فَرّطَ من حسناتٍ ثُمَّ تَنبهَ ليد المُعلّم وهو يُقدّم لهُ بعض الحَلوى قائلًا: هذهِ هديتُكَ المتواضعة لكن ما عند اللَّهِ خيرٌ وأبقى.
تبسم لهُ هشام وأخذها ثُمَّ شَكَرَهُ عليها.
انتهت الحصة وحانَ وقت الفُسحة، طَوَى التلاميذ كراساتهم ووضعوها في حقائبهم، ثُمَّ أخرجوا مصروفاتهم وهبطوا إلى فناء المدرسة، أخرجَ هشام الحَلوى التي أعطاهُ إيّاها المُعلّم وأخذ ينظر لها حتّى ترقرق الدمع بعينيهِ، دلف هيثم فوجدهُ هكذا، اقتربَ منهُ وربت على كتفهِ ثُمَّ أضاف: صديقي ما بك؟
نَظَرَ إليهِ هشام بعينٍ مُدمَعة ثُمَّ أضاف: لستُ أهلًا لهذهِ الحَلوى.
سألهُ هيثم: ولِمَ؟
أجابَ بصوتٍ حزين: فقد أهملتُ رَد السلام حتّى على أبي، فأنا لا خيرَ فيَّ ثُمَّ بَكى.
ربت هيثم على يديهِ وحدّثهُ قائلًا: بل الخير كُلّ الخير فيكَ هشام.
ابتسمَ لهُ قبل أن يسألهُ: كيف هيثم؟
أجابهُ بذاتِ البسمة: لأنَّكَ ندمت والندم بشارة خيرٍ هشام.
سألهُ هشام وقد اتسع فاه: أحقًّا هيثم؟
أجابهُ: بلى.. وستَرى بنفسك طالما صَدقت نِيَّتُك.
رَدَّ هشام بسرور: صدقت واللَّهُ يعلم ثُمَّ عَاَنقَ هيثم وشَكَرَهُ على توضيحهِ وهبطوا إلى فناء المدرسة؛ حيثُ التلاميذ يلعبون ويمرحون.
تَعلّم هشام أنَّ رَدّ السلام لا يمنعهُ مانع، ففي أي وقتٍ يُلقى السلام يجب على مَن سَمِعهُ الردّ، ومن هذا المنطلق أضحى هشام أكثر التلامذة إلقاءً للسلام ورَدًا لهُ.