غضّ البصر هو الطريقة الوحيدة التي يُمكن أنْ تُحافِظَ على المُجتمع من الإنجرارِ خلف الملذات والشهوات، بل هو الدرع الواقي الحصين للمُجتمع من أمراضِ الهَوى ومرضاتِ الشَّيطان.
قالَ اللَّهُ _سُبحانَهُ وتعالى_ في كتابهِ العزيز بعدَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيم: "ولا تَقربوا الفواحشَ ما ظَهَرَ منها وما بَطَن"، وهذا أمرٌ إلهي بالنهي عن الإقترابِ من الفواحش ليسَ إتيانها فحسب، بل إنَّ مُجرّد الإقتراب منها مَنهيٌ عنه، ومِثال ذلكَ فاحشة الزنا، الزنا في حدِّ ذاتهِ من الكبائر، ومع ذلكَ فإنَّ كُلّ ما يُؤدي إليهِ من مُقدّماتٍ فهو مُحرّمٌ أيضًا.
لو نظرنا لسببٍ بسيطٍ من أسبابِ تحريم الزنا، لوجدناهُ الحفاظ على الأنسابِ من الإختلاط، والحفاظ على المُجتمع من الضياع، بل والحفاظ على الفِطرة النقيّة من الدنس الذي تأنفهُ الأنفُسِ السويّة.
كذلكَ صيانة الأعراض والتي هي حقوقُ أقوامٍ، لا مُجرّد سوآتٍ وحسب، والعِرضُ لهُ شّقان، مادّي وهو المعروفُ من جسدِ الأُنثى، ومعنوي وهو الموكول أمر حفظهِ وصيانتهِ لمحارمها ورجال عشيرتها، إذًا فالمرأة أمينة على نفسها وما أوضعَ اللَّهُ بِها من أمانةِ قومها، ولا يحقُّ لها أنْ تخونَ الأمانة بدعوى التحرُّر وما شابهَ ذلك، إذ هي مُؤتمنة وليستْ مالِكة، والإنسان عمومًا مُؤتمن على جسدهِ وليسَ مالِكًا له، وسيُحاسبُ كُلٌّ عن أمانته.
أعودُ بالحديثِ عن غضّ البصر والذي يَحصرهُ البعض في الرجال، مُتغافلينَ بذلكَ عن أمرِ اللَّهِ للنساءِ بغضِّ البصر وحِفظِ الفرج كما أمرَ الرجال، بل زادَ عليهنَّ إخفاء الزينة كذلكَ إلَّا لمَن أُحِلّتْ له.
قالَ عَزَّ مِن قائلٍ في سورةِ النور، بعدَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيم: "قُلْ للمؤمنينَ يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلكَ أزكى لهم إنَّ اللَّهَ خبيرٌ بما يصنعون * وقُلْ للمؤمناتِ يغضُضنَ من أبصارهنَّ ويحفظنَ فروجهنَّ ولا يُبدينَ زينتهنَّ إلَّا ما ظَهَرَ منها وليضربنَ بخُمرهنَّ على جيوبهنَّ" إلى آخرِ الآية الكريمة.
وغضُّ البصر هو الكفُّ عن ما لا يَحلّ للعبد النظر إليه، ولا فرقَ فيهِ بينَ الرجالِ والنساء، فكلاهما مأمورٌ بأنْ يَكفَّ بصرهُ عن ما لا يَحلّ لهُ من الآخر.
إذا غضّ الرَجُل بصرهُ لم يَرى أجملَ من امرأتهِ في نساءِ العالمين، بل لو أنَّ كُلَّ النساء أحطنَ بهِ فلن يستطعنَ إغواءه؛ لأنَّهُ كَفّ بصرهُ إلَّا عن زوجه، وكذلكَ الأمر بالنسبةِ للنساء، فلا تُطلِقُ إحداهُنَّ بصرها فيمَن لا يَحلّ لها من الرجال، إلَّا ورأتْ في زوجها نقصًا ثُمَّ لم تَعُد ترغب به.
غضّ البصر أمرٌ إلهي ودرعٌ وقائي لحفظ المُجتمع من الآفات، وَجَبَ على الذكرِ والأُنثى الإمتثال لهُ، دونَ التفرقة بينهما في جنسِ الخليقة.