من زمنٍ بعيدٍ كانتْ المحبّة هي سِمة التعامُل بينَ الأُناسِ وبعضهم، فالمعروف هو المألوف، والتغاضي لأجلِ الودّ لا بُدَّ منه، ولذوي القُربى جُلّ المحبة، ثُمَّ الجيران، ثُمَّ الأصحاب، ثُمَّ الأمثلَ فالأمثل.
العَشم هذهِ الكلمة رغم بساطة حروفها، وسهولة نُطقها، إلَّا أنَّها تعني الكثير لمَن تُقال له؛ تعني إحسان الظنّ، كما تدل على المحبة الزائدة بل والثقة أيضًا.
لم يَكُن للخُذلانِ مكانٌ بينَ الأخوة، فالأخّ هو صورةُ أخيه، لا يظلمهُ ولا يحقرهُ ولا يخذلهُ كذلك.
ما يَحدُثُ لأشقائنا في غزّةَ جعلني أتساءل: هل حقًّا لأهلِ غزّةَ أشقاء؟
وإنْ كانَ فأينَ هُم من دمِ إخوتهم الذي سالَ حتّى غَطّى القشرة الأرضية هُناك؟
كيفَ يحيا الفرد حياةً طبيعية فيأكل ويشرب ويتناسل وإخوتهِ يُقصفونَ ويُقتلون؟
هذا بالنسبةِ للأفراد، فما بالُ أقوامٍ بدولٍ تسير بها الأمور على ما يُرام، بل وتُنفق النفقات لإشباعِ الملّذات، ويكأنَّهم لا عَلاقةَ لهم بغزّةَ وما يَحدُثُ لها؟!
سيقولُ قائل: هكذا هي الحياة لا تَقفُ عندَ أحد، وسأردّ عليهِ بقولي: بالطبعِ ما تقولهُ صحيح إنْ كانتْ حياتهم كَحياتك، أو حياتكَ كَحياتهم، لكنَّهم الآنَ لا حياةَ لهم؛ فبعدَ الإبادة الجماعية التي نَفذّها العدو الصهيوني بحقّهم، جعلتهم لا حياةَ لهم بعدَ أنْ سلبهم إيَّاها خنازير الأرض المُعتدين.
في المُعتاد لا أُحبّذ التعميم إذ أنَّهُ لُغة الجُهّال، لكنَّ هذا الأمر اِستثناء، فما يَحدُثُ لأشقائنا في غزّةَ يجعل السؤال عن ردودِ الأفعال العربية بلغة التعميم مُباح بل وواجب أيضًا.
أعودُ بالحديثِ عن عَمّ عَشم الذي ماتَ في وطننا العربي، بعدَ الخُذلان الواضح لأشقائنا في غزّة، أو قُلْ هاجرَ لبعيدٍ بعدما صُدِمَ بواقعنا الأليم.
خنازير الأرض يتحكمونَ فيما لا يَملكون، حتّى بعض اللُقيمات لا يدعونها تَصل لأشقائنا في غزّة، فيرفضونَ إيصال المُساعدات وعبور الشاحنات، بل حتّى أنَّهم قصفوا مُستودع يحوي بداخلهِ بعضًا من المُساعداتِ بعدَ السماحِ بوصولها.
مُستودعًا رُّبما لا يُمثّل شيء بالنسبةِ للبعض، لكنَّهُ يُمثّل رَّوح الأمل لأشقائنا في قِطاعِ غزّة؛ حيثُ بعض أجولة الدقيق، والفوط الصحيّة النسائية، بالإضافةِ لأشياء أُخرى من ضروراتِ الحياة.
بعض الفرائض تسقُط عن النساء ذوات الأعذار القهرية؛ كَالصومِ والصلاة، فالحائض والنُفساء لا تُؤديانِ الصلاة ما دامَ العُذر موجود، كذلكَ بالنسبةِ للصوم، فهُما لا تصومانِ رمضان حالَ فترة الحيض أو النِفاس، عِلمًا بأنَّها تقضي ما فاتها من صومٍ بعدَ رمضان، أمَّا الصلاةَ فلا قضاء لها، هذا بالنسبةِ للنساء، أمَّا الرجال فما عُذرهم في خُذلانِ الأشقاء؟
أليستْ نُصرة الأشقاء فريضة؟
أوليسَ الجهادُ في سبيلِ اللَّهِ دفاعًا عن الأرضِ والعِرض فريضة لا يُسقطها سوى العَمى والعَرجة وأخيرًا المرض؟
أكُلّ رجال العرب والمسلمون بِهم ما يُسقط عنهم فريضة ردع خنازير الأرض المُعتدين؟!
أوليسَ الدفاع عن المسجد الأقصى واجب كُلّ عربي ومُسلم؟
أليستْ الشدّة هي مُدّة تقوية أواصر المحبّة بينَ الأخوة؟
كُلٌّ مِنّا لديهِ من التبريراتِ ما يكفي لسطرِ ألوف الكُتب، لكنَّنا تناسينا أنَّ اللَّهَ مُحاسبنا جميعًا، كما أنَّنا لم نَكُن مُنصفينَ حتّى في الخيال.. فلو تبادلنا الأدوار بالخيال لَما جلسنا نُشاهد ولا نُحرّكُ ساكنًا.