اِستوقفتني جُملة بَرّاقة "علّموهم أنَّ الستر لا ينقص من جمالهم شيء"، نظرتُ إلى الصورِ المُرفقة بتلكَ الجُملة فرأيتها صورًا لفتياتٍ يرتدينَ العباءة، الغريب في الأمرِ أنَّ العباءةَ قد وصفتْ ما تحتها من ملابسٍ داخلية، كما أنَّ الوجوهَ قد تَزيَّنتْ بمُستحضراتِ التجميل وغيرها، الأدهى أنَّ عارض كُلّ هذا رَجُل!
إذًا أينَ السترُ وقد اِعترفتَ أنتَ بأنَّهُنَّ جميلات؟
بل أينَ السترُ وقد رأيتَ ما رأيتَ من تحديدِ الأجساد؟
الأصلُ في السترِ أيا رَجُلًا هو أنْ تسترَ عنكَ جسدها عدا ما يظهر غالبهُ كَالوجهِ والكفّان، كما أنَّهُ لا يجوز لها أنْ تُظهِر زينتها أمامكَ ما دُمتَ أجنبيٌ عنها، أي لستَ زوجها أو أحدِ محارمها؛ الذينَ حُرِّمَتَ عليهم بالدَّمِ أو الرَضاعة.
على صعيدٍ آخر، يَدّعي أحدُهم أنَّهُ لا حياءَ في الأدب، لم يقتنع عقلي بتلكَ المقولة المُفتقدة لِمَا ذُكِرَ بِها من كلمةِ أدب؛ إذ أنَّ المُدَّعي قد خاضَ بأدبهِ المسطور تحتَ مُسمّى الشِعر في عَوراتِ النساء، فأخذَ يَذكُرُ ما لا يحلُّ ذِكرهِ شرعًا من سوآت، وسُمّيتْ السَّوْأة بهذا الاسمِ لأنَّها تسوءُ صاحبها إذ هي اِنكشفتْ للنَّاس.
الغريبُ في الأمرِ أنَّ إحداهُنَّ قد تفاعلتْ مع كلامهِ برمز أحببتُه، ثُمَّ علّقتْ على كلامهِ الخارج عن سياقِ حُسن التربية والأدب.
عقلي لم يَرضى بذلكَ فأخذَ يَنشَط ويُفكّر، ثُمَّ تساءلَ: ما الذي اِستفدناهُ من كلماتٍ كَهذه؟
الإجابة: بالطبعِ لا شيء.
ما الذي قدَّمهُ صاحبها للأدب؟
أيضًا لا شيء.
إذًا عَلَاَمَ يَكتُب كلماتٍ هي وصفٌ للسوآتِ ليسَ إلَّا؟
الإجابة: لحاجةٍ في نفسهِ واللَّهُ أعلى وأعلم.
من بابِ التأدُبِ مع الأُمّ ألَّا تَذَكُرَ أيُّها الكاتب عَوراتِ النساء؛ لأنَّ الذي حَملتكَ ووضعتكَ ثُمَّ أرضعتكَ هي واحدةٌ منهنَّ، فأحسِن إلى أُمّكِ بالتأدُبِ في الكِتابةِ عن بناتِ جِنسها إنْ لم تَكُن خَلوقًا.
مَن الذي قالَ أنَّهُ لا حياءَ في الأدب؟
كيفَ وأساسُ الأدب الحياء، الأدب الحقيقي الهادف والنافع، لا الأدب المُمصلَح طِبقًا للأهواءِ والمصالح، كما أنَّهُ ليسَ كُلّ ما يُكتَب يستحقّ لفظة الأدب إنْ لم يَكُن أهلًا لها، ولن أتطرّق للكتاباتِ الهابطة السحيقة التي ينسبها أصحابها للأدبِ زورًا وبُهتانًا، لكنَّني أكتفي بأنَّهُ إنْ كانتْ حقًّا تُنسب للأدبِ فمن الأدبِ عدم كشف ما سُتِرَ من عَوراتٍ وعدم الخوض فيما لا يحلّ الخوض فيهِ شرعًا، سيقول قائل: الكِتابة حُرّية فليكتُب كُلٌّ ما شاء.
أقولها لكَ بمُنتهى الأريحية: قد أخطأتَ يا هذا؛ لأنَّ الكاتبَ سُيسألُ أمامَ اللَّهِ عن كُلِّ حرفٍ خَطّهُ قلمه، صحيحٌ أنَّكَ لكَ مُطلق الحُرّية فيما تَكتُبُ لكنَّكَ بذاتِ الوقت تَملأُ كِتابكَ الذي سَتُحاسَب عليهِ أمامَ اللَّهِ سُبحانَهُ وتعالى.
المُسلم ليسَ لهُ حُرّية مُطلقة في شيء؛ لأنَّهُ مُقيَّدٌ بشرعِ اللَّهِ العظيم، وهَدي رسولهِ الكريم عليهِ وعلى آلهِ أزكى الصّلاة وأتمّ التسليم.
فالحُرّية المُطلقة تعني أنَّهُ لا رَقيبَ ولا حَسيبَ على ما يقوم بهِ الفرد من أفعال، وهذا مُخالِفٌ لشرعنا الحنيف؛ لأنَّ اللَّهَ رقيبنا وحسيبنا.
أتعجبُ كثيرًا من مقولة "لا حياءَ في الدِّين" التي يُردّدها البعض دونَ وعيٍ لمعناها، بدايةً لا يصّحُ أنْ تتركَ عقلكَ دونَ عملٍ مُتكئًا على عقولِ الآخرين، فكُلّ عقلٍ ولهُ طريقةٌ في اِعماله، ثُمَّ مَن الذي أوهمكَ أنَّهُ لا حياءَ في الدِّين؟!
الحياءُ يا هذا هو شُعبةٌ من شُعبِ الإيمان، إذًا الحياءُ من الإيمان، ألم تقرأ من قبلُ عن حياءِ سيدُنا مُحمّدٍ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم_ فقد كانَ عَلَيْهِ الصّلاةُ والسلام أشدُّ حياءً من العذراءِ في خدرها.
ألم تقرأ عن سيدُنا عُثمان بن عفّان (ذو النورين) رَضيَ اللَّهُ عنهُ الذي اِستحتْ منهُ ملائكةُ الرحمٰن؛ لشدّةِ حيائه.
أمَّا عن مقولةِ "لا حياءَ في العِلم" فهذهِ مُخالفة للعِلمِ ذاته؛ فطالب العِلم لا بُدَّ وأنْ يكونَ مُتصفًا بالحياء، إذ العِلمُ هو نورُ اللَّهِ كما قِيل، والحياء دلالة على قوة الإيمان.
لن أُكثر أكثرَ من هذا.. اِحترام العقل واجب، فمَن لا يحترم عقلك لا يحترمك، بل ويَزيد عليهِ أنَّهُ يحطّ من شأنك.