من الغريب أن يقوم بعض المؤهلين علميا بشهادات جامعية عالية والذين ينتمون أصلا للطبقات الفقيرة من أبناء هذا الشعب بإظهار العداء لثورة يوليو وزعيمها الراحل جمال عبد الناصر ومن ثم لا يفوتون أي فرصة للتهجم عليه وعلي مبادئ الثورة التي أعلنها في الأيام الأولي لقيام تلك الثورة والتي كان من أهمها تحديد الملكية والإصلاح الزراعي بزعم شديد البجاحة بأن الملك فاروق آخر ملوك الأسرة العلوية الألبانية التي حكمت مصر في ظل الاحتلال العثماني حيث ينسبون لهذا الملك أنه أول من أصدر قانون الإصلاح الزراعي في مصر وقام بتوزيع وتمليك بعض الأفدنة من أراضي أصلحتها الدولة في مركز كفر سعد بمحافظة دمياط .
فماذا عن قانون الإكثار الزراعي في عهد الملك فاروق
بالفعل، كانت هناك محاولات للإصلاح الزراعي في عهد الملك فاروق قبل ثورة يوليو 1952، وإن كانت محدودة النطاق ولم تحقق التغيير الجذري الذي أحدثته قوانين ما بعد الثورة. يمكن الإشارة إلى أبرز هذه المحاولات فيما يلي
قانون الإصلاح الزراعي القروي رقم 30 لسنة 1944:
• يعتبر هذا القانون من أوائل التشريعات التي حاولت معالجة مشكلة صغر الملكيات الزراعية وتفتتها.
• هدف القانون إلى تشجيع تجميع الملكيات الصغيرة المتجاورة لزيادة كفاءة الإنتاج.
• تضمن بعض الإجراءات لتنظيم العلاقة بين الملاك والمستأجرين وحماية حقوق صغار الفلاحين بشكل محدود.
• محدودية الأثر: لم يحقق هذا القانون الأهداف المرجوة منه بشكل كامل، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها:
o عدم المساس بالملكية الكبيرة: لم يتضمن القانون أي قيود على الملكيات الزراعية الكبيرة أو اتخاذ أي إجراءات لإعادة توزيع الأراضي. للحد من تغول طبقة الإقطاعيين الكبار الذين تملكوا آلاف الأفدنة في أيدي قليلة ببينما الغالبية من الأجراء والمعدمين .
o ضعف آليات التنفيذ: واجه تطبيق القانون صعوبات وعراقيل إدارية وقانونية.
o مقاومة كبار الملاك: قاوم كبار الملاك أي محاولات جادة للإصلاح الزراعي التي قد تحد من نفوذهم ومصالحهم. وقد جري تطبيق هذا القانون علي نطاق ضيق جدا في مركز كفر سعد بدمياط فقط .
مشروع الإصلاح الزراعي في كفر سعد (1948):
• قام الملك فاروق شخصياً بإطلاق مشروع تجريبي للإصلاح الزراعي في قرية كفر سعد بمحافظة دمياط حيث تم توزيع أراضٍ زراعية مستصلحة من أملاك الدولة على حوالي 600 أسرة من صغار الفلاحين بواقع خمسة أفدنة لكل أسرة. مع مسكن لكل أسرة وبقرة واحدة .
وعلى الرغم من أهمية هذه المبادرة كاعتراف بضرورة الإصلاح الزراعي، إلا أنها ظلت محدودة النطاق ولم يتم تعميمها على مستوى البلاد. كانت بمثابة مشروع نموذجي أكثر منها خطة شاملة للإصلاح.
وقد جري وقتها بعض المناقشات والمقترحات الأخرى للإصلاح الزراعي في البرلمان والأوساط السياسية، لكنها لم تصل إلى حد التشريع أو التنفيذ الفعلي بسبب معارضة القوى الكبيرة من الباشوات والإقطاعيين المستفيدة من الوضع القائم.
وبشكل عام، يمكن القول أن الإصلاحات الزراعية في عهد الملك فاروق كانت محدودة النطاق والأثر ولم تعالج جذور مشكلة التفاوت الكبير في ملكية الأراضي وقد واجهت مقاومة قوية من كبار الملاك.
لذلك، ظل نظام الملكية الزراعية في مصر قبل عام 1952 يعاني من اختلالات كبيرة أدت إلى استمرار معاناة غالبية الفلاحين وتأخر التنمية الزراعية والاجتماعية في الريف. وقد جاءت ثورة يوليو 1952 بقوانينها الجذرية لتحدث تحولاً حقيقياً في هذا المجال
فجاء الإصلاح الزراعي في مصر ( أحد مبادئ ثورة يوليو الستة ) حافل بالتطورات الهامة التي تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية في القطاع الزراعي. يمكن تقسيم هذا التاريخ إلى عدة مراحل رئيسية
1. ما قبل ثورة يوليو 1952:
• تميزت هذه الفترة بوجود نظام ملكية زراعية غير عادل، حيث امتلك عدد قليل من كبار الملاك مساحات واسعة من الأراضي، بينما عانى غالبية الفلاحين من صغر ملكياتهم أو انعدامها، وارتفاع الإيجارات، واستغلالهم من قبل الملاك.
• ظهرت محاولات إصلاحية محدودة قبل الثورة، لكنها لم تحقق تغييراً جذرياً في هيكل الملكية الزراعية.
2. فترة ما بعد ثورة يوليو والقانون الأول للإصلاح الزراعي (1952):
• صدور القانون التاريخي: بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، كان قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 لسنة 1952 من أوائل وأهم القوانين التي صدرت.
• الأهداف الرئيسية للقانون:
o تحديد الحد الأقصى للملكية الزراعية للفرد بـ 200 فدان.
o استملاك الأراضي الزائدة عن هذا الحد من كبار الملاك.
o توزيع هذه الأراضي على صغار الفلاحين المعدمين أو الذين لا يملكون أراضي زراعية، بحد أقصى 5 أفدنة للفرد.
o إنشاء جمعيات تعاونية للإصلاح الزراعي بهدف تقديم الخدمات الزراعية والائتمانية للمنتفعين الجدد.
ويعتبر هذا القانون نقطة تحول جذرية في تاريخ الزراعة المصرية، حيث قضى على نظام الإقطاع وغير خريطة الملكية الزراعية، مما أدى إلى تحسين أوضاع الكثير من الفلاحين.
3. قوانين وتعديلات لاحقة للإصلاح الزراعي
• صدرت قوانين وتعديلات أخرى لاحقة وسعت نطاق الإصلاح الزراعي وعالجت بعض المشكلات التي ظهرت في التطبيق. من أهم هذه القوانين:
o القانون رقم 319 لسنة 1952: خفض الحد الأقصى للملكية الزراعية.
o القانون رقم 127 لسنة 1961: خفض آخر للحد الأقصى للملكية إلى 100 فدان للفرد و 200 فدان للأسرة.
o القانون رقم 50 لسنة 1969: خفض الحد الأقصى للملكية مرة أخرى إلى 50 فداناً للفرد و 100 فدان للأسرة.
وقد تأسست الهيئة العامة للإصلاح الزراعي عام 1957 للإشراف على تنفيذ قوانين الإصلاح الزراعي وإدارة الأراضي المستصلحة وتوزيعها وتقديم الخدمات للمنتفعين.
4. المراحل اللاحقة والتحديات المعاصرة:
• شهدت العقود اللاحقة تغيرات في السياسات الزراعية واتجاهات نحو التحرر الاقتصادي، مما أثر على دور الإصلاح الزراعي.
• لا تزال هناك تحديات تواجه القطاع الزراعي في مصر، مثل تفتت الملكيات الصغيرة، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وقضايا الري والمياه، والحاجة إلى تبني تقنيات زراعية حديثة.
• تسعى الدولة حالياً إلى رفع إنتاجية الأراضي وتشجيع المزارعين على استخدام التكنولوجيا الحديثة وتوفير الدعم اللازم لهم.
أهم الأهداف الاستراتيجية الحالية لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي تشمل:
• النهوض بالسياسات الزراعية وسياسات استصلاح الأراضي لتحقيق التنمية القومية.
• تنمية الثروة الزراعية وزيادة مساحة الأراضي المستصلحة.
• النهوض باقتصاديات الريف.