السلام عليكم و رحمة الله
منذ ايام قليله كنت عائدا من القاهرة الي الاسكندرية ... و كالعاده محطة قطار القاهرة العتيقه هي هدفي للعوده .... و كالعاده جميع القطارات مملوءه و لا ترحب براكب جديد .... و كالعاده استخدم بعضا من علاقاتي للحصول علي تذكره ... ثم بدون وعي اتوجه لتلك المكتبه التي فتحت لها فرعا جديدا في بهو المحطه المطور حديثا .... لارتاح بين عناوين الكتب
كنت عاقدا العزم ان ابتاع شيئا كتبه نبيل فاروق لاني لم اقرأ له منذ فتره طويله و اشتقت لاسلوبه ... و لكن هيهات ... فهناك بضاعة مزجاة تخطف النظارين ....
مريم ... قصه ذات غلاف رومانسي لفتاه رومانسيه و لكاتب لم اقرأ له من قبل ... و هو احمد عطا الله
التقط الكتيب الواقع في مئتي صفحه تقريبا ... و كانت مغلفه بغلاف بلاستيكي يمنع تصفحها ... فاكتفيت بقراءة الصفحه الاخيرة من الغلاف .... ففهمت انها قصه رومانسيه ... و هو لون احب اقرأ له و فيه ... لكني توقفت عند مصطلح مدسوس بعنايه بين ثنايا السطور ... لقد قرأت : "و ما يقوله الرب "...
نحن المسلمون لا نقول "الرب" ... و انما نقول "الله" جل في علاه .... ثم عدت و توقفت عند عنوان الرواية و التي لم الحظ ان به تكمله ... فالروايه اسمها : مريم مع حبي و اعتقادي !!
و للمره الثانية اتوقف عند مصطلح جديد له مدلول و هو" اعتقادي" .... ثم لاحظت ان الغلاف يحمل عبارة "قصه حقيقيه" ....
عند هذا الحد شعرت ان هذه القصه و التي يبدو من ان كاتبها مسلم بما ان اسمه احمد .... لها علاقه بالاديان .... فغلبني الفضول و كانت "مريم" رفيقتي في رحلة العوده ....
القصه "الغريبه" جذبتني من اول سطر .... و التهمتني حتي التهمتها حتي اني لا اتذكر من كان يجلس بجواري .... و لكن الغريب اني لم اشعر "بالشبع" بعد الالتهام ! ....
القصه باختصار شديد تتحدث عن شاب مسيحي .... احب فتاه مسلمه اسمها مريم ..... و هي بادلته الحب بالحب ... و اراد ان يتزوجها بالقانون و امام الجميع دون ان يبدل ايا منهما دينه ...!
و في هذا الاتجاه .... خاض الشاب المسيحي حربا ضروسا مع القوانين و في ساحات القضاء ... و افني ماله و شبابه ليدافع عن مبدأ هو مؤمن به .... لدرجة انه اقنع اهل العروس به .... و وافقوا . !!! .....
القصه ليست مريحه اذا استسلمت للانطباع الاولي .... و لكن و لانها قصه واقعيه ... فهذا صنع فارقا معي .... و يبدو ان الكاتب من انصار الدفاع عن النسيج الاجتماعي الواحد و الموحد للوطن المصري بين مسلميه و مسيحييه ..... و لأني ايضا مؤمن بهذا بشده .... حاولت ان انسجم مع الروايه الحقيقيه المكتوبه باسلوب الكاتب "عطا الله" لكني فشلت نوعا ما !
لا انكر ان هذه الورايه .... تعتبر وثيقه جامعه لكل ما ورد من فتاوي و فقه في مسأله زواج المسلمين من اهل الكتاب .... و لا انكر اني خرجت بحصيلة عظيمه من المعلومات من هذه الرواية التوثيقيه لو صح التعبير ..... لكن شيئا ما في منطقها ... لم يقبله منطقي ...
ما كنت اعرفه يقينا قبل قراءة هذه الوثيقه .... ان زواج المسلمه من غير المسلم محرم شرعا و هذا شئ لا جدال فيه ... و لا نقاش ... و لكني وجدت الروايه و ما بها من صور حقيقيه لمسودات القضايا التي رفعها علي الدوله الشاب المسيحي لتمكينه قانونا من الزواج بمسلمه .... وجدتها تحوي معلومات جديده بالنسبه لي .... و فتاوي لم اتطرق اليها من قبل .... لكنها موجوده !
اول ما اصطدم بي هو التفسير الجديد ... لحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم "المسلمة لا ينكحها الا مسلم " .... فوجدت ان الشاب المسيحي يقول انه - كمسيحي - فهو مسلم .... لان الاسلام ليس الي الرسول عليه الصلاة و السلام .. و لكن الي رب الرسول ...
كما ان القرآن نص صراحه علي ان المسيحيين هم من المسلمين في قوله تعالي " وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون "
و قوله تعالي " فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون "
اذا هو بنص القرآن مسلم !!
في موضوعي هذا لا اناقش التفسير و لا حتي المنطق الذي يتحدث به بطل القصه .... و لكني سأحاول تسليط الضوء علي مقتطفات فكرية وردت في قصة مريم الغريبه و في هوامشها الغنيه بالمعلومات ... ثم اترك لكم ان تبحثوا و تدرسوا ... و تتفحصوا المنطق و تكتشفوا هل تم ليه ليا ليكي يكون مستويا ؟.... و هل نجح البطل و معه الكاتب في ذلك ؟
يستشهد بطل الروايه بأن الرسول عليه الصلاة و السلام امر المسلمين بالصلاة علي "النجاشي" ملك الحبشه .... و النجاشي لم يعلن اسلامه ... !! فكيف يصلي المسلمون علي غير المسلم ؟!! .... فانزل الله قوله تعالي "و ان من اهل الكتاب لمن يؤمن بالله و ما انزل اليكم " 199 آل عمران
بهذه الاسانيد اقنع بطل الروايه والد مريم بان يتقدم اليها طالبا يدها زوجا حلالا !! ... و وافق الاب و اشترط موافقة السلطات الرسمية في الدوله ! ... اي انه وافق و اقتنع ان الشرع لا يمنع و ان المانع هو القانون و القانون فقط !
بطل الروايه كان يرسل رسائل دوريه الي رئيس الجمهورية السابق محمد حسني مبارك و الي حرمه "سوزان" و الي جهات حقوقيه و اعلاميه و دوليه .... كما ارسل رسائل الي الامام الاكبر الراحل الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي يشكو فيها الدكتور علي جمعه مفتي الديار المصريه لان دار الافتاء عرقلت قضاياه المرفوعه امام القضاء الاداري حيث نصت الفتوي ان هذا الزواج محرم بالاجماع ..... لقد كان البطل مثابرا و يبحث عن حقه المغتصب بالقانون الجائر ... و يدفعه حبه الشديد بالفتاه "مريم" ..... الي فعل الافاعيل
يروي الكاتب ان بطل القصه كان يبحث عن محام مسلم يترافع عنه .... و كان الجميع يرفض و فجأه استدعاه احد المحامين و عرض عليه اموالا او ان يقتل ... و يقول الراوي ان المحامي ينتمي الي جماعة الاخوان !
واصل بطل القصه كفاحه القانوني و عثر علي محامي مسلم وافق ان يرفع لها القضيه لكن دون ان يعده بشئ او يضمن له اي شئ ... و وافق البطل و باع سيارته و انفق مدخراته في سبيل الظفر بمريم .... قانونا !
كان يستند في عرائضه المقدمه للمحاكم ان الدوله لا تطبق الشرع في كل شئ فلماذا تطبقه في هذه الجزئية بالذات ؟!!!!.. كما كان يستند الي مبدأ المواطنه المنصوص عليه دستوريا ... و كان يستند الي ان الدستور ينص علي المساواه بين المواطنين ...
الجميل "الوحيد" في الروايه انها ضمت بين دفتيها اراء فقهيه و فتاوي و نصوص قانونيه .... و مراجع علميه .... مما يجعلها اشبه بدراسة علميه منشوره منها الي روايه رومانسية .... فقد تناول الكاتب تلك الاراء الفقهيه التي تتحدث عن القرآن الحمال ذو وجوه ... كما قال سيدنا علي كرم الله وجهه ... و استنادا الي هذا المبدأ فيمكن تفسير اياته الكريمه علي وجوه كثيره علي حسب الزمان و المكان .... و منها تفاسير في صالح بطل الروايه !
و تناول الكاتب ايضا فتوي بن تيميه و التي اباح فيها للمسلمين بيع الخمور للتتار ... لان الخمور كان تسكرهم فيقل شرهم ! .... استنادا الي المبدأ الاصولي الفقهي المعروف "درء المخاطر مقدم علي جلب المنافع " .... و لعلي مقتنع تمام الاقتناع بهذا المبدأ "المنطقي" ... لكن منطقي لا يستقيم مع المعني القائل ان اباحة زواج المسيحي من المسلمه من باب درأ المخاطر !!
بطل الروايه .... اشتري مكتبا هندسيا و علق فوق رأسه لوحة مكتوب عليها "قل هو الله احد" .... و يبدو ان حبه لمريم جعل مفاهيمه الدينيه لا تفرق بين الديانتين .... او انه مقتنع بانه لا فرق !
المحامية التي كانت تحضر معه الجلسات نيابة عن المحامي الكبير .... كانت غير مقتنعه بالمره بهذه القضيه ... و لما سألها عن رأيها اعترضت بشده و اخبرته ان الاولاد سيكونون مسيحيين في هذه الحاله .... لكن البطل كان ملائكيا و سماويا حينما اكد لها انه سيعلم اولاده الديانتين و سيتركهم يختارون الديانه التي يريدون !!!
كانت الروايه تنشر مسودات الاحكام و احكامها التي جاءت جميعها رافضه لطلب المدعي ... و كان اولها في 1/3/2005 محكمة القضاء الاداري - الدائرة الاولي
و من الوقائع الغريبه بالنسبه لي و التي وردت في هذه القصه ... ان الخديوي عباس فكر في طرد المسيحيين من مصر و نفيهم الي السودان ... و طلب من شيخ الازهر الشيخ الباجوري فتوي تدعم مساعيه ... لكن الازهر اوقف هذا التوجه تماما .... حيث قال الامام الاكبر حينها "الحمد لله انه لم يطرأ علي ذمة الاسلام طارئ و لم يستول عليه خلل حتي يغدر عباس الاول بمن هم في ذمته الي اليوم الاخر "
من الصدمات الفكرية التي قرأتها في هذه "الدراسه" فتاوي الدكتور الترابي الزعيم و المفكر السوداني المعروف ... بجواز زواج المسيحي من المسلمه و انه لا يوجد عائق شرعي امام ذلك ! .... و هذه الفتوي ساعدت فتاه مسلمه من الزواج بمسيحي زواجا رسميا في السودان بحضور العائلتين !!
اضف الي ذلك صدمة فكرية اخري تتعلق بالشيخ القرضاوي و هو عالم جليل لا يستهان بعلمه و فقهه ... قد افتي ببقاء الزوجه المسلمه التي دخلت الاسلام علي ذمة زوجها الكتابي !
من جهه اخري فقد تناول الكاتب تفنيدا للايات التي يستند اليها العلماء لتحريم هذا الزواج و هي :
(( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم)
يقول الترابي ان الكفره الذين يقصدهم القرآن ليسوا النصاري و لا اليهود فهؤلاء هم من اهل الكتاب
و ايده الشيخ القرضاوي لكنه جاء بتسع حالات لهذا الزواج .... و تناولها بالشرح و التحليل ....
في المقابل شمل الكتاب علي الفتاوي الداعمه لهذا التحريم و هي كثيرة و الاهم انها منطقيه ... فلا تشعر و انت تقرأه بعوار فكري ... فالحكمه منها بائنه ساطعه .... ساكنة مستكينه
القصه انتهت في عصر الثوره .... و لا يزال البطل يقاتل من اجل انتزاع حكم بالزواج من مريم التي ذابت في ثنايا الحياه ....
لا اريد ان ادخل في تفاصيل الفتاوي ... او اكتب رأيا فقهيا قد يرقي الي مستوي الفتوي ... فكل يوم ازداد يقينا ان كل من قرر ان يفتي او يدلي بدلوه في مسأله دينيه ... لهو جاهل احمق ... ان لم يكن قد بلغ من العلم الشرعي مبلغه ... فما كنا نظن انفسنا عالمين به .... يصبح سرابا كبيرا ... في لحظة جهل واحده !
لكني اعتقد ان البطل و هو نموذج لاقلية مسيحيه في بلد مسلم .... و الاقليات مهما كانت كبيرة العدد ... تشعر دائما بعدم المساواه ... و يبدو ان هذا الاحساس قد انفجر لدي البطل في صورة حبه لمريم المسلمه .... فاراد ان يقتل شعوره الوهمي بالعنصرية بانتزاع حق قانوني في مسألة شرعيه صعبه المراس ...
و الا لكان قد غير دينه ليتزوجها ... او يهرب بها الي الخارج كما اشارت عليه جهات عديده .... لكنه لم يشأ هذا او ذاك .... و واصل نضاله لأنه صاحب مبدأ .... هكذا يقول الراوي !.... بينما لا اجد ذلك ثباتا علي المبدأ ... لان الحب الجنوني من هذا النوع قد يدفع الشخص لان يفعل اي شئ للظفر بمحبوبته .... لكني اري انها احاسيس كامنه بالتفرقه .... ارتدت زي الحب ... و درع مريم !
يختم الكاتب "عطا الله" روايته الواقيه باهداء الي رسول الله صلي الله عليه وسلم ... ! و يدعوه ان يدركه بشفاعته الكريمه ... ثم يذيل كتابه بمقالة بعنوان "الحب في زمن الفتنه" ... و هي مقاله واقعية علي اية حال ...
بعد انتهاءي من القراءه ... وجدتني غير مستريح ... المنطق و الهوي ....
لا اعرف لماذا .... او كأني اعرف
تحياتي
:)