منذ عشر سنوات أو يزيد، كنت في ايطاليا مستقلا قطارآ سريعآ بين ميلانو وروما — على ما أذكر — وهي مسافة طويلة لو تعلمون،
لكن القطار الذي يسير بسرعة 300 كم/ساعة يجعلها ممتعة وقصيرة.
جلست بجواري سيدة إيطالية لا تتحدث الإنجليزية، وأنا لا أتحدث الإيطالية.
ولا أعرف ما المناسبة التي دفعت اثنين «هنود» إلى بدء مناقشة ثقافية ضخمة، مستخدمين كل الوسائل الممكنة للتفاهم: إشارات المرور، وأصابع القدم، وطريقة برايل للمكفوفين، وأخيرًا مترجم «جوجل»!
لكي نتمكن من إتمام النقاش — وقد نجحنا على ما يبدو.
وطبعًا، وكأي مصري خارج الحدود، حاولت أن أكون سفيرًا جيدًا لبلادي مصر،
لكن ما إن علمت السيدة أنني مصري، حتى تحولتُ أنا إلى سفير للملك خوفو شخصيًا!
زميلة الرحلة كانت هائمة في حب مصر والحضارة الفرعونية القديمة، وأجدادي بناة الأهرامات.
واستفاضت في الأسئلة والنقاش، على أساس أنني محمد عبد الوهاب خوفو!
حاولت أن أشرح لها أنني من عائلة خفرع، وطلبت منها أن تنظر إليّ وترى كم أنا «مُتخفّرِع» 😄 ولست من عائلة خوفو،
لكنها كانت تميل إلى أنني من سلالة خوفو.
يا سيدتي... يا ولية 😄
عائلة خوفو بعدما بنوا الهرم الأكبر، تقوقعوا في المنوفية،
عكس عائلة خفرع الذين «تخفّرعوا» في ربوع مصر: المنصورة، طنطا، الإسكندرية، البحر الأحمر، الشرقية، قنا، أسوان، بني سويف، وبورسعيد. وأخيرا الفيوم
أما عائلة منقرع، فللأسف علاقتنا بهم «مش ولا بد»، لأنهم جميعًا من كفر الدوار.
وتواصل الحديث بيننا، وأنا منبري أحدثها عن جدي خفرع الذي كان يأخذني معه وهو يبني الهرم،
ويحذرني من التعامل مع «الخوفيين» من أبناء المنوفية، أو «المنقرعيين» من أبناء كفر الدوار.
ووصل القطار إلى وجهته — لا أذكر أكانت روما أم ميلانو — وتبادلنا حسابات الفيسبوك، ولم نتقابل بعدها أبدًا.
أمس، كتبت منشورًا عن رئيسة وزراء إيطاليا، خاطفة قلوب العذارى من الرجال 😄، والتي كانت ضيفة على عائلة خفرع،
ففوجئت بزميلة رحلة القطار — السيدة الإيطالية المثقفة — تعلق بالإيطالية تعليقًا جعلني أتوقف عنده قليلا.
وبرغم سعادتي بتعليق زميلة الرحلة، وبفكرة أن السوشيال ميديا تجعل المرء قادرًا على التواصل مع شخص تحدثت معه مرة واحدة منذ عشر سنوات في أرض بعيدة،
إلا أن تعليقها الواقعي أعجبني أكثر.
في خضم اندفاعنا — نحن المصريون — في تسليط الضوء على جمال رئيسة وزراء إيطاليا، وأنها امرأة حديدية وفولاذية وما إلى ذلك من التشبيهات،
قالت صديقتي الإيطالية القديمة ببساطة: إنّها ليست راضية هي ومعظم الشعب الإيطالي عن أداء رئيسة وزراء بلادها.
لم تتعصب لكونها سيدة مثلها، ولا لكون العالم يغازل رئيسة وزرائهم،
بل تحدثت بطبيعية وسَوية، وواقعية مجردة وتحدثت في المضمون والمفيد.
وهذا يعني أن نساء إيطاليا قد لا يصوّتن لتلك الفاتنة التي تقودهم لمجرد أنها امرأة.
الفضول دفعني إلى التجول في حساب زميلة الرحلة القديمة،
فوجدتها مدافعة شرسة عن القضية الفلسطينية، واضعةً علم فلسطين في أكثر من منشور.
كما لاحظت ولعها بالسفر وزيارة آثار العالم، وأسعدتني حين علمت أنها زارت مصر مع زوجها.
ومن المرجّح أن هذا المنشور قد يصلها،
والذي أكتبه تحيةً لها ، ولكي أطمئن:
هل قابلت «خوفيًا »، أو «منقرعيًا »،
أم مرت زيارتها بسلام مع الخفرعيين؟ 😎