الترجمة عمل شاق عظيم، تتطلب من صاحبها ومن يقوم بها، شروط ربما تتوفر في صاحب المؤلف نفسه، حتى يستطيع استيعاب العلم الذي ينقله، فيفهمه ويفهمه للناس والقراء.
والحق أننا أمام أمر خطير، فحينما لا يكون المترجم أمينًا صاحب غرض، تحدث كارثة ضد الحقيقة والبرهان، تكاد تشوهه، وتنفيه وتغلوش عليه.
لو قام أحد الناس مثلا ليترجم كتابًا من الكتب، يخالف فكره ومعتقده الذي يدعو إليه ويؤمن به، فهل تراه يترجم بأمانه ما يخالف أفكاره، أم انه سيحرفها ويبدلها، منتصرًا لهواه وأغراضه؟
قد يفعل هذا من لا ضمير لهم ولا خلق، ممن ينتسبون للثقافة والمعرفة، ومن أصحاب الأقلام والفكر.
فهب مثلا لو قام يوسف زيدان أو إبراهيم عيسى أو خالد منتصر او إسلام البحيري، بترجمة كتاب لمؤلف غربي ينصف فيه الإسلام، فهل تراهم يرجمون بأمانة، ويحكمون بموضوعية؟
إن إيماني ويقيني بباطلهم الذي يتعصبون له، يخبرني أنهم سيبدلون ويزيفون، حتى لا يعلم المسلمين أن من أبناء الحضارة الغربية، من قام بمدحهم وإنصافهم والثناء على ملتهم.
ولأنهم لا تعنيهم الحقيقة في شيء، فما يهمهم هو بغض الإسلام، والترويج لكل عمل يلقي عليه ظلال الشبهة والريبة.
ولعمري.. إن هؤلاء وأمثالهم يزيفون الحقائق العربية التي لا تحتاج إلى شرح وترجمان، فكيف بالله عليك يكون صنيعهم فيما دون العربي من الكلام.؟!
انظر ما فعله لويس عوض وهو رأس من رؤوس التغريب والزيف، ولولا أن قيض الله للعربية فارسها المغوار محمود شاكر، لاستطاع هذا الكاذب وأمثاله، أن يغيروا على صرح الحقيقة يزيفون منها ما يشاؤون، زعم لويس أن ثقافة المعري ليست أصيلة فيه، وإنما هي من فكر أجنبي تأثر به، وخرج له العملاق من عزلته، حينما لم يجد أحدا يرد زيوفه، وأصاب لويس عوض الذعر والهلع من مقالات شاكر التي فضحته بين أوساط المثقفين، وكشفت عن ضعف ثقافته حتى في تخصصه في الأدب الإنجليزي حين كشف شاكر عن فساد ترجمته العربية لمسرحية الضفادع لأرسطوفان، وراح لويس عوض يطوف على المجلات والصحف يستنصرهم ضد شاكر ويزعم أن المعركة بينهما معركة دينية، ولم يتوقف شاكر عند كتابة مقالاته حتى أغلقت مجلة الرسالة نفسها، وألقي به في غياهب السجن سنتين وأربعة أشهر.
إنهم يفعلون هذا بالتراث المقروء والمفهوم بين أيدهم وأيدي أبناء لغتهم، فكيف يفعلون إذن بالمترجمات الأجنبية.؟
بقي أن تعرف أن الذي دفعني إلى كتابة هذه الخاطرة في هذا المقال، ما قرأته لشيخنا الدكتور البيومي وهو يرد أكاذيب المرجفين من المتحاملين على الإسلام وحضارته من كتاب ومؤرخي الغرب، ومنهم وجستاف لوبون الذي أظهر في مؤلفاته إنصاف الإسلام وحضارته، فكان عقبة في وجه بني قومه ممن يجحدون حقائق الإسلام غيضا وكمدا.
فماذا قال مولانا البيومي حول هذا الشأن، لقد عمد في نهاية ردوده واستشهاداته بما لا يخطر على بال، حينما امتدح مترجم كتاب حضارة العرب لجوستاف لوبون وهو الأستاذ عادر زعيتر فقال: " ولا أنسى أن أذكر أني اعتمدت على الترجمة الأمينة التي خطها الكاتب العربي الكبير الأستاذ عادل زعيتر، فأسدى لأبناء دينه ما أسداه للحقيقة الناصعة من يد لا تجحد، رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه أحسن ما يجزي به كل مثابر أمين"
وهكذا يكون عمل (عادل زعيتر) وكأنه هو الذي رد الافتراءات، وهزم أهل الجحود، وفضح أعداء الحقيقة، وهو لم يؤلف ولم يفكر، وإنما فقط ترجم بأمانة، فكانت لأمانته شأو عظيم وتأثير كبير.