لا تحسبن أنني ممن كانوا سعداء بسماع دروس الشيخ الشعراوي الشهيرة في التلفزيون المصري بعد صلاة الجمعة.
أبدا أبدا، لقد كنت كلما أستمع إليه، أجد حزنا وأسفا وضيقا كبيرا في نفسي.
أعرف الآن أنك يمكن أن تقول: ما هذا الكلام الفارغ، الذي يقوله كاتب هذه السطور؟!
هل هناك من يتجرأ لينتقد خواطر الشيخ الشعراوي التي أسعدت مصر كلها.؟
إن هذا الكلام، لا يصدر إلا من علماني فاجر، أو ملحد ساقط.
ولكن قبل أن تسير بك الظنون، وتوغل في عالم الاتهام، اقرأ وانظر في رأيي ووجهة نظري.
قدر لي من أزمان بعيدة، أن أستمع إلى الشيخ الشعراوي، في بعض الدروس والخطب والمحاضرات التي كان يلقيها بلغة المعلم والخطيب والمحاضر، بل بلغة الأديب صاحب البيان الرائع واللغة المذهلة.
استمعت إلى حديثه عن الهجرة النبوي، واستمتعت إلى محاضرته عن القضاء والقدر، وخطبته في وقفة عرفات عام 76، وبعد حلقاته مع أحمد فراج.
يا ألله ماهذا الجمال؟ وما هذه الروعة، وما هذا الإبهار.؟
ياله من رجل جبار، ومفكر عميق، وخطيب مصقع لا نظير له.
كانت هذه المحاضرات، تدل على رجل تدفقت فيه المواهب الربانية، وحباه الله تعالى، بروعة الحديث المؤثر، وهي التي يرجع إليها ذلك الاعتراف الكبير بقيمة الشيخ الشعراوي.
وبدلا من أن تزكي مصر هذا الجمال المفرد، عمل الإعلام على محوها، وتقديم صورة إبداعية بنكهة شعبية عامية، أعجبت فعلا طبقات كثيرة من المصريين والمشاهدين في كل مكان.
لكنها أبدا لا يمكن أن تقارن بجمال الشعراوي الخطيب والمحاضر، صاحب الإلقاء النوعي النابغ.
اعذروني فربما يكون هذا الرأي الغريب نابعا من أنني رجل أهوى الخطابة، وأولع بالإلقاء، وأعشق الأدب، وتبهرني ذهنية العالم والمتحدث الذي يصول ويجول في دنيا البيان، ويتلعب بناصية البلاغة باحترافية غير مسبوقة.
إن تخلي الشعراوي عن أسلوبه كان خسارة كبيرة.
أنا فعلا كلما شاهدت خواطر الشعراوي، أحزن كثيرا.!
بعض القراء قد يظن أنني أنتقد الخواطر الشعراوية، ولا شك أن هذا خطأ كبير، فقد خدم الشيخ الدعوة والدين لدى عموم الناس، بطريقة سحرية وفريدة، حتى المتخصصين أنفسهم أبهرتهم واهتموا بها.
وبعضهم يظن أنني أنتقد الإعلام والتوجه الحكومي، الذي حرص على تقديم الشعراوي بهذا النمط العامي الشعبي، ولكن كيف يغيب عنا فضل الإعلام وحرصة على تقديم هذه الهدايات العظيمة.
بعض من لا يستوعبوا كلامي، لم يركزوا على أنني ذكرت أنه حالة خاصة بي أنا كهاو للخطاب والإلقاء الأدبي، وأكثرهم لم يستمع لحديث الهجرة والقضاء والقدر التي قدمها الشيخ، ليعرف فرق ما أشير إليه، ويدرك معنى ما أتحدث عنه.