بعض المثقفين وخاصة عشاق التاريخ منهم، يتصورون الأستاذ (محمد عبد الله عنان) من حماة الإسلام وخدَمَةِ التراث، وفرسان الهوية، ولماذا لا، وهو صاحب أعظم موسوعة في تاريخ الإسلام في الأندلس من البداية إلى النهاية، وأنت لابد أن تعتقد هذا المعتقد في الرجل، وحتمًا أن تظن به هذا الظن، لأن الكتابة في التاريخ الإسلامي ميدانه وعمله، خاصة أننا نعتقد أن كل من كتب في تاريخ الأندلس إنما تفيض مشاعره بحجم الخسارة التي نُكب بها الإسلام، وكأنه يرثي المجد الضائع للمسلمين، ومن ثم تتصور عقول الكثيرين، أن هذا الكاتب من أغير الناس على الإسلام والملة.
توحي بذلك مؤلفاته الكثيرة حول التاريخ الإسلامي ورجاله ورموزه، وهي مؤلفات لها قيمتها وثقلها التاريخي لا شك، لكنك يجب أن تعتقد وأن تقرأ لهذا الرجل، وتوقن ولا تتوهم أنه ناقص الفكر متهجم على الشريعة الإسلامية ظالم لها، مخالف للإيمان بصلاحية الإسلام وحكم الشريعة في كل وقت وزمان.
ومن ثم فلا يجب أن تنخدع بما كتب عن الإسلام وتاريخه، عليك أن تأخذ منه العلم، ولكن تعتقد في نفس الوقت، أنه صاحب موقف غير مشرف من الشريعة الإسلامية، وإيمانه بصلاحها للحياة والمجتمع.
فلا يجب أن تظن هذا الظن وأنت تقرأ له كتاب (تراجم إسلامية) التي جسد فيها أبطال الأمة.
ولا يجب أن تعتقد فيه هذا المعتقد المغلوط الذي قد يغير على عقلك، وأنت تقرأ كتابه (مواقف حاسمة في التاريخ الإسلامي)
وكذلك لا يسيطر عليك هذا الوهم وأنت تقرأ كتبه (مصر الإسلامية) فترتئي أن الرجل من دعاة الهوية الدينية لمصر.
بل لا يجب أن تتخيل فيه هذا التخيل وأنت تقرأ كتابه عن دولة الإسلام في الأندلس، وتراه وهو يقول فيه: إنه قضى في تأليف هذه الموسوعة 25 سنة، وأنه سافر إلى إسبانيا 16 رحلة وكذلك وهو يصف مذابح النصارى للمسلمين في الأندلس ومحاكم التفتيش، وكذلك وهو يفضح الروايات والمراجع التاريخية الغربية.
كل هذا يجب أن تتعامل معه فيه على أنه مؤرخ وليس فارسا مغوارا من فرسان المسلمين، وليس إماما عظيما من أئمة الإسلام، وليس حارسًا أشم من حراس العقيدة.
نعم لقد كان لهذا الرجل موقفه المعادي من الشريعة الإسلامية حينما كتب في مجلة الثقافة عدد (706) وذكر "أن الاتجاه نحو الشريعة الإسلامية خاطئ من أساسه وأن النظم والقوانين التي توافق روح العصر ومقتضيات الحياة الاجتماعية لا محل لأن تجعل الدين حكما في مسائل لا علاقة لها بالدين ولا تمس العقيدة، وأن محاولة النيل من النهضة المباركة، نهضة المطالبة بحقوق المرأة والرجوع بها إلى الوراء باسم الدين، أمر لا يقبله عقل مستنير أو منطق سليم.، فالنظم الأساسية والقوانين الجنائية المصرية، كلها نظم وقوانين تطبعها الصفة اللادينية"
وهذا الكلام منه يعد هجوما ظالما للشريعة الإسلامية، ووصفا لها بأنها لا تليق مع العصر، ولا تقود للتحضر والنور.