ينصحون الكاتب دومًا، كيف يكتب، وكيف يبدع، وكيف يلهم قلمه كل معاني الإحساس والمشاعر التي تبلغ به إلى سمو التعبير.؟
ويُتعب الكاتب المسكين نفسه، ويجهد حياته ووقته، يريد أن يمتلك كل تلك المقومات التي تدفع به لدنيا الكتابة، فيكون له جمهور يقرأ له، ويتابع فكره، وينظر إلى رأيه، ويناقشه في مراميه.
لقد أفاد الكاتب حقًا من مشواره الطويل مع نصائح الكتاب التي بلغت به مراتب غايته ومعالي طموحه وأحلامه.
ولكنه وجد نفسه بعد هذا المشوار الطويل، تنقصه بعض الأدوات الخطيرة المهمة، التي لابد أن يقف عليها ويحققها في ذاته، حتى يستكمل عدته ككاتب قدير.
وهي نصيحتي اليوم التي أقدمها لكل كاتب فأقول:
أيها الكاتب حينما تستوي في مواهبك، وحينما ترى قلمك قد استوفى أملك، فصرت كاتبا يشار إليه بالبنان، ويُنظر لقوله باهتمام، فإنك بعد لم تتعلم آخر الدروس التي يجب أن تتصف بها ويتحلى بها قلمك وذوقك ونفسك.
نعم مازال هناك درس كبير حتى مع احترافك وتمرسك، وحتى مع هذا الوقت الذي ترى فيه نفسك قد علوت وارتقيت، وهذا الدرس هو أن تكون في قمة البرود، وقمة الصبر، وأن تبلغ الذرى في الحلم والأناة وردة الفعل، وأن تتدرب على كبح الجماح ووأد ثورة الغضب، وهياج العاطفة، والتهاب الحماسة.
ستتعرض إلى كثير من الهجوم والنقد، وستواجه من القراء جهلة متطاولون، بل ستواجه أحيانا سفلة لا أدب لهم.
وساعتها يمكن أن تسأل نفسك: لماذا كل هذا العنت ؟ ولماذا يقابلونني بهذا السفه؟
لكنك لا تعلم أن هذا طبيعة من نصب نفسه كاتبا، ونتيجة كل من أمسك قلما وكتب.
فما دمت قد اخترت طريق الكتابة، فعليك أن تصاحبه بطريق الصبر.
وسيكون قراءك ومحبيك بمثابة تلك الأزهار التي تحيط بك في حديقة غناء، لترى بينها بعض النباتات الشائكة المؤلمة، والحشائش الضارة القبيحة، إياك أن تمسك بها أو تنظر إليها، حاول بكل جهد أن تتعامى عنها ولا تباليها، وإياك أن تجعل منها شيئا مؤرقًا يفسد عليك جمال الأزهار التي تحيط بك، فقط تجاهل وتغافل وأهمل، واسرح ببصرك فقط مع جمال الأزهار.
هكذا يجب أن تكون فلسفتك ورؤيتك ونظرتك، لكل من يكيدون لك، ويغتاظون منك، ويعترضون كلامك، ويهينون مكتبوك.
لأنك لو دخلت معهم في معارك، واشتبكت معهم في نزال، فقد خسرت كثيرا من قيمتك وجلالك وهيبتك، وفوق هذا أعطيتهم قيمة كبيرة ما كانوا يحلمون بها في منازلتك.
تعلم جيدًا كما قلت لك: كيف تكون باردًا متبلدًا أمام هذه الحشائش الضارة.؟