هل تتخيل أن أولئك المفكرين الكبار والأدباء العظام والكتاب الأفذاذ الذين نتعلم منهم ونستمتع بما يكتبون ويخطون من بارع البيان، أنني أستاء منهم في بعض الأحيان، وأغضب من حالهم، بل يخيل إلي لو أن أحدهم أمامي الآن لزعقت في وجهه، وصحت به صيحة مجنونة، بل وربما أمسكت في تلابيبه وصرخت فيه بشدة لأقول له: خسارة حرام عليك.!
نعم والله.. ربما أفعل ذلك، بل إنني أقول لك ما هو أشد من ذلك: فكلما قرأت لأحدهم كتابًا يفرح روحي وينشي مهجبتي وينعش عقلي ويستميل عاطفتي، فما أن أغلقه وأدعو لصاحبه، إلا وأتذكر تلك الثلمة التي فعلها في حياته، والجريمة التي جنتها همته.. وأقول له وكأنه أمامي: خسارة حرام عليك.
هذا هو حالي مع الأستاذ العقاد الذي قرأت له أنه يتمنى قبل أن يموت أن يؤلف كتابًا عن حجة الإسلام الغزالي، ولكن الأيام جرت به لأجله المحتوم قبل أن يفعل، وأنا أعرف حب العقاد الشديد للإمام الغزالي وهيامه به وإعجابه الكبير بقدراته وفكره وفهمه، إذ يقول عنه في كتاب التفكير فريضة إسلامية: إن عقل الغزالي هو أقوى عقل عرفته البشرية.
خسارة حرام عليك يا أستاذنا العقاد، لماذا لم تسارع بك همتك وأنت من أولي العزم من الكتاب، أن تخط بداية كتابك عن الغزالي؟!
نفس المشهد تكرر حينما علمت أنه عزم على تفسير القرآن الكريم ولكن المنية عاجلته.
تخيل ماذا يكون الحال لو كتب العقاد عن الغزالي؟
فيلسوف يكتب عن فيلسوف.
ليكون كتابه الخالد( عبقرية الغزالي)
كذلك كان الحال حينما علمت أن الأستاذ عبد الوهاب مطاوع رحمه الله كان يحلم منذ عشرين سنة أن يكتب كتابا عن سيدنا عمر بن الخطاب، ومنذ ذلك الحين وهو يجمع كل ما يصادفه عنه من إشارة في بعض كتب التاريخ والسيرة النبوية والصحف والمجلات، ليقصها أو ينقلها بخط يديه، ويودعها في ملف خاص بسيدنا عمر، حتى يعود إليه من حين لآخر مصممًا أم ينفذ مشروعه العظيم في تأليف كتاب عنه.
لكنه كان ينسى ويترك همته لهموم العمل ومسؤوليات الصحافة والسفريات، فلم يتم هذا المشروع الذي كان يحلم به حتى رحل رحمه الله دون إظهاره.
ورغم ما كنا نلمح في كتابات عبد الوهاب مطاوع من تأثر كبير بكتاب الغرب، واستشهاده المتواصل بكتاباتهم وحياتهم ومواقفهم، إلا أنه يصرح في أكثر من كتاب له: أنه مفتون بشخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، هكذا بنفس التعبير (مفتون) حتى أنه جمع كل ما صدر عنه من كتب، وجعلها في مكان بارز ليمد إليها يده للقراءة من حين لآخر، ليستلهم منها الإجابة على كثير من مشكلات الناس.
ألست معي أننا رغم حبنا للأستاذ عبد الوهاب، إلا أننا يجب أن نصرخ في وجهه إذا رأيناه لنقول له: خسارة حرام عليك؟!
بل ألست معي أن يبادر كل من يحلم بالكتابة عن موضوع أن يسارع إليه ويطرح عن كاهله عوامل الكسل والتراخي والفتور.؟!