سألني بعض القراء الأفاضل والأصدقاء الكرام: لماذا نجد عداء وخصومة ومعارك دائمة بين الأدباء والمفكرين مع علماء الدين؟
والحق أنه سؤال وجيه، ومعتبر وله أصل وأساس يجب على كل المثقفين وعيه وإدراكه ممن غاب عن وعيهم.
إن الوقاحة التي تجنى بها كثير ممن يمتهنون مهنة الأدب، وينتسبون للساحة الفكرية، لم تظهر إلا في الجيل المتأخر، بعد جيل العمالقة الكبار، الذين كانت لهم صبغة إسلامية وكتابات إسلامية، مما قد يندرجوا تحته، ويدخلوا في إطاره ليكونوا من حماة الدين ودعاته والمدافعين عنه، كالعقاد والرافعي، ولم يكن لهم أزمات مع الدين وعلمائه إلا القليل منهم ممن تأثر بالدراسة في أوروبا كالحكيم وطه حسين، ورغم هذا كان سلوكهم في هذه الأزمان وفي خضم هذه المعارك، سلوك الأدب الرصين والاحترام الأصيل للعلم وأهله والأزهر ومكانته الشريفة.
فما السبب إذن يا ترى في وقاحة المتأخرين؟
نلحظ بدقة أن هذه الفترة قد انتشر فيها الفكر الشيوعي واليساري، وصار له وجود على أرض مصر وله دعاته ومؤسساته وصحفه وإعلامه والمروجين له، وهو مذهب فاجر كافر يُعادي الدين ويبغض العلماء، ويرفع شعار ( الدين أفيون الشعوب) ومن ثم كان لا يتورع من ينتسبون إليه عن إهانة العلماء، وسب الشيوخ والعداء للدين.
والسبب في ذلك هو الاستراتيجية التي تبنتها الشيوعية وقامت عليها وعدتها من أهم وأكبر دعائمها و أصولها، وهو السيطرة على الإعلام بكافة أشكاله وألوانه وأنواعه.
جمع "لينين" نفرًا من الشيوعيين يومًا وسألهم: من هو الشيوعي الممتاز في تقديركم ؟ فلما اختلفوا قال لهم: "أهم رجل هو السينمائي الشيوعي.. هو الذي يستطيع أن يخدم الحزب والدولة أكثر من ألف شيوعي منظم"
ومن خلال هذا التنظير من لينين نفسه، ندرك ونعلم كيف انتشرت هذا الفكر المعادي للدين وتلوث به كل من صادق الشيوعيين وعمل معهم، إن حاول أحدهم اليوم أن يدعي أن الشيوعية قد انتهت وولى عهدها، ولكن براثنها والمناخ الذي لوثته والعقول التي فرخت فيها قذاراتها ما زالت حاضرة، تثير العفن في كل مكان، وخاصة خصومتها المقززة مع الدين ورموزه.
ومن هنا يتبين لنا سبب هذه الخصومات بين الأدباء ورجال الدين، وهو التساؤل الذي أرق كثير من أصدقائي الكرام.
لقد كان للشيوعية وجود في فترة الجيل العملاق، ولكنها لم تكن قد توحشت في أرض مصر كما حدث فيما بعد، ولم يكن حضورهم ميدان الإعلام في الصحف والتليفزيون والمجلات فقط، وإنما في التمثيل والدراما وأهم من ذلك كله ميدان الأدب والإبداع.
وهو ما حدث في البلدان التي تواجدوا فيها ليكون مأربهم الأول هو السيطرة على منافذ التوجيه والتأثير، فتجد أغلب الإعلاميين والممثلين، شيوعيين يحاربون الدين من خلال عملهم الإعلامي والفكري والدبي والفني.