حينما كان يتعرض الشيخ محمد سيد طنطاوي قديما لهجوم وانتقاد بسبب فتاويه المعتلة وبعض أحكامه المخالفة لما استقر عليه علم الفقهاء، كان هناك من يقوم متحمسا للدفاع عنه، والتأكيد على علم الرجل ، ثم يقرع أسماعنا في النهاية بأن الرجل صاحب تفسير كامل للقرآن الكريم، وهو الجهد الكبير الذي تتقاصر دونه همم كثير من العلماء والأفذاذ.
كان المستمع والمهاجم والمنتقد يصول ويجول، وينافع ويجادل، طعنا في الرجل تارة ، وتسفيها لقوله تارة أخرى، ويظل هذا حاله إلى أن يسمع كلمة التفسير، فإذا به يقف مخزيا مزويًا خجلا خرسا.
وتمر السنون والأعوام بعد رحيل الشيخ الذي دفن في البقيع، وخلف وراءه مواقف غير مريحة، وذكريات لا يمكن أن تعد في ترجمته من باب السيرة الحسنة والآثار الطيبة.
نحن لا ننتقد رجلا رحل وأفضى إلى ما قدم، وصار مصيره بين يدي ربه سبحانه، وما كنت أحب التقليب أبدًا بشيء من النقد في سيرة رجل واراه الثرى، ولكن ما حدث كان فجيعة علمية بكل المقاييس لا يمكن التغاضي عن جريرتها والسكوت عليها أبدًا.
فماذا حدث؟
بدأت المصيبة تتكشف وحادثة السرقة ينجلي عنها الغبار، حينما قام أحد الطالب الباحث حسان آدم، بمناقشة رسالة الدكتوراه في منهج الدكتور محمد سيد طنطاوي في مسائل العقيدة من خلال تفسيره الوسيط.. من جامعة أم درمان بالسودان عام 2017م.
وبعد حصول الطالب على الدرجة وإعلان النتيجة، منذ هذه السنوات، طلع علينا الباحث الكبير وصفي عاشور أبو زيد منذ قليل بمفاجأة من العيار الثقيل لا يمكن إغفالها أو الإعراض عن مصيبتها.
قال وصفي: " هذه رسالة حصل بها صاحبها على درجة الدكتوراه من جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان، في هذه الشخصية وذلك الكتاب..
والبعض ممن عاصر كتابة هذا التفسير - التفسير الوسيط - يعلم أن الذي كتبه هو أستاذ أساتذة التفسير في عصره العلامة الشيخ د. أحمد السيد الكومي، وكان الشيخ محمد السيد طنطاوي يساعده فيه، وصدرت الطبعة الأولى من هذا التفسير باسم الشيخ الكومي، ووضع اسم الشيخ طنطاوي معه على الكتاب..
فلما توفي الشيخ الكومي، أراد الشيخ طنطاوي إصدار طبعة ثانية من التفسير، وصدرت الطبعة الثانية باسم الطنطاوي فقط بعد أن قام بحذف اسم الشيخ الكومي، رحمه الله تعالى..
هذا فقط للتاريخ، ولكي لا يحدث تلبيس وتدليس في رسائل البحث العلمي، ونسبة أمور إلى غير أهلها، وحرمان أهل الفضل من فضلهم.
والذين ينكرون صدق هذه المعلومة في تعلقياتهم:
الشيخ الكومي نفسه ذكر إسهامه في هذا التفسير، وأنه كان مشاركة بينه وبين تلميذه طنطاوي، قال: "كان لكثرة الرسائل العلمية التى أشرفت عليها أكبر الأثر فى الإقلال فى مجال التأليف والنشر ومن أهم مؤلفاتى: 1. مساهمتى فى التفسير الوسيط .فهو مشاركة بينى، وبين الدكتور/ طنطاوى، وأحد أبنائى البررة، والذى قام بإتمامه بعد ذلك وحده". [من مقالة من ملتقى أهل التفسير].
وذكر ذلك أيضا د. فضل حسن عباس في كتابه: "التفسير والمفسرون أساسياته واتجاهاته ومناهجه في العصر الحديث".
والمحصلة النهائية، أن الشيخ الكومي له إسهام لا ينكر في التفسير، وصدرت الطبعات الأولى من أجزائه باسم الكومي وطنطاوي، وبعد ذلك تم استبعاد اسم الكومي، وبصرف النظر عن مقدار الإسهام الذي قام به الكومي في التفسير، فهل يصح تبرير حذف اسم الرجل من التفسير؟ إن هذا عذر أقبح من ذنب!"
والآن وبعد كشف هذه الجريمة التي لم تكن يوما في الحسبان، ولم يكن من المتوقع أبدا أن تصدر من رجل ترقى فيما بعد إلى رتبة الإمام الأكبر، لابد للأزهر أن يعيد طباعة هذا التفسير باسم بذكر اسم الشيخ الكومي الذي هو أحد أبنائه وعلمائه الأبرار، وهو الدكتور الكومي، وكذلك يجب على الأزهر وقد قرر التفسير الوسيط على طلاب المراحل الإعدادية والثانوية الأزهرية، أن يعيد طباعة هذه المقررات وعليها اسم الراحل الكومي، كما كانت في طبعاتها الأولى، انتصارًا للحق وإحقاقا للصدق والصواب.
ومن العيب الكبير أن يتغافل الأزهر الشريف عن هذه الجريمة، ولا يعيد الفصل فيها ورد الاعتبار للعالم الكبير د. الكومي، صاحب الجهود الضخمة في خدمة القرآن الكريم، أهكذا يكون الجزاء ورد الجميل؟!
لقد قلت مرارًا إن السرقة الفكرية والعلمية أنكر أنواع السرقات، والسرقة الدينية العلمية أبشع أنواعها جميعًا.
فهل سرق شيخ الأزهر الأسبق جهد أستاذه الكومي ونسبه لنفسه؟
أم أننا نحتاج لجهد المتخصصين في التفسير ليوضحوا لنا الأمور؟