كل التحية والاكبار والامتنان للقرار السياسي الآمر بوقف المخرج محمد سامي، وأحب القول بأن هذا القرار ليس قرارًا فنيًا أو قرارًا سينمائيا أو دراميا أو إنتاجيا، بقدر ما هو قرارٌ تاريخيٌ وطنيٌ من الطراز الأول، يُساوي عندي في مقامه وأهميته وتأثيره قرار عبد الناصر بتأميم قناة السويس ، وقرار حرب اكتوبر لاسترداد الأرض والعرض والشرف والكرامة.
أنا واحد ممن يعتبرون المخرج محمد سامي ظاهرة سيئة نبتت بأرض مصر وأضرت بتربتها وشوهت أصالتها، بل أعده من أخطر الشخصيات التي دمرت مصر وهدمت القيم وأفسدت الشباب ونشرت البلطجة والاستهتار والتسيب وتسبب في سيادة وانتشار ثقافة الهمل والرعاع وسيطرتها على لون الشارع المصري وصبغه بأسوأ الأنماط المجتمعية التي تلفظ الاحترام والقيم.
مصر المحترمة.. مصر الهادئة.. مصر التي تمثل القيم والدين والأصالة والضمير، صارت في هذا العهد على يد هذا الفتى.. مصر الأسطورة وإش وإش وجعفر العمدة، والبرنس، وسيد الناس، ونسل الاغراب، التي كان لها العامل الأكبر في تغيير مصر الزاهية العظيمة، التي كان لها شباب يرنو نحو الرفعة والمعالي ويتطلع إلى المروءة والخلق الكريم، ليحولهم محمد سامي إلى شباب يعشق البلطجة والفتونة والعراك والغصب والقهر والعدوان وقلة الأدب. يقول سامي:
"السنة دي كانت آخر أعمالي التلفزيونية، واللي فيها بودع المسلسلات بعد رحلة دامت 15 سنة، قدمت فيها كل ما أستطيع لإسعاد الجمهور العربي، حققت نجاحات كبيرة بفضل الله والجمهور"
كان يمكن لمحمد سامي بكل سهولة أن يغير البوصلة وبدلا من أخرج هذه المسلسلات التي تحمل أفكارا هابطة ومدمرة وخطيرة أن يعمل أعمالا تصب في بناء مصر وإحياء القيم والأخلاق والضمير، لكن محمد سامي لا يعرف كيف يقوم بمثل هذه الأعمال، ولا يمكن له أن يقوم بها، فنجاحه الحقيقي بين عالم البلطجية و-الصِيع والشوارعية - والعوالم والمؤامرات والانبطاح والانهيار القيمي.. هذا هو اللون الذي ينجح فيه محمد سامي ومن ثم بما أن لوحوا له بالتوقف حتى أعلن اعتزاله وحدد نهايته.
وأنا أعتقد أنها أسعد نهاية مرت بمصر، لتبدأ مصر بعدها تستفيق من هذا الكابوس المؤرق، الذي كان يخنق أخلاقها وقيمها، بل كان يخنق الفن والإبداع الحقيقي الذي يعبر عن الطبيعة المصرية وحقيقة مصر، وليفسح المجال والميدان المخرجين الجادين من أرباب هذه الصنعة ليصيغوا بناء المجتمع ويعالجون مشكلات الحياة مرة أخرى.
محمد سامي في مسلسله الأخير "سيد الناس" لم يفته أن يضرب القيم الدينية ويشوه صورة الشيخ المتدين والتي تجسدت في دور أحمد رزق -عفيفي- الفاشل الذي لم يجد ما يوجه به فشله ليقدره الناس إلا عن طريق التدين، أظهره سامي في قمة الوقاحة والتبذل والانحطاط والمتاجرة بالدين، ليقول للشعب ويعلم الجيل أن هذا هو الشيخ وهذا هو حال المتدين لا تثقوا فيه ولا تأمنوه..
في مشهد هابط يحاور أحمد رزق أمه إلهام شاهين فيقول لها: طب انتي يا امه شفتي نادين اللي ابويا متجوزها دي ومتصور معاها أفلام...يح .. سخنة يح" طبعا ينطق هذه العبارات بطريقة شهوانية حقيرة مبتذلة لا تنم أبدا عن شيخ طاهر محترم متزن.
ففي أحداث الحلقة الثامنة جمع مشهد الفنانين عمرو سعد ويقدم دور "الجارحي" وأحمد رزق ويقدم دور "عفيفي" وأحمد فهيم ويقدم دور "مجدي"، ويتحدث "عفيفي" عن زوجة أبيه الراحل وعن إعجابه بها، وقال "عفيفي": "أنا قلبت الدنيا على فتوى تتيح للابن الزواج من أرملة الأب الجامدة قصدي الأب المتوفي ملقتش، بفكر أطلع أنا الفتوى دي واتحمل مسئوليتها أمام المجتمع اتجوزها وياكش يعدومني بعد كده"
وأضاف: "حاسس أن دي أهم وأقيم ورث سابهولنا الحاج الله يرحمه، عارف يا جارحي لو ربنا هيسامحه هيسامحه عشان خاطر المزة الجامدة دي"
من ينطق بهذا في المسلسل؟ إنه شيخ ملتحي متدين يبحث في النت عن ديانة أخرى تتيح له الزواج من زوجة أبيه.
ناهيك عن مسلسل الراقصة "إش إش" لنقول للقراء:
هذه هي القضايا التي يناقشها محمد سامي ويعرضها على جماهير مصر في شهر رمضان المبارك وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي مسلسل "إش إش" الزوجة تقوله أنا حامل من ابنك (ابن زوجته الذي رباه) ويفرح ويذبح الذبائح ويعلن على الملأ نبأ حملها وكأن المخرج يؤصل للدياثة كما حلل المحللون.
لم أكن أحب المخرج محمد سامي على المستوى الظاهري فلا أعرف لماذا لا أستريح إلى وجهه، وكيف لرجل مثله يقلد النساء ويلبس حلقا في أذنه، لو لبس قلادة لقلنا لا بأس ولكن أن يتشبه بالنساء فذلك لا يريح أبدا، وعموما هو أمر شخصي لكنني أحببت ذكر ما لا يعجبني فيه وأنتقده عليه، ليبقى لنا فقط أن ننتقد عمله الذي جسد على مدار 15 عاما خطيئة في حق مصر..
وأمام هذا السعار القبيح المتري الذي أضر بسمعة مصر واسم مصر ومكانة مصر.. كان هناك على الجهة المقابلة مثال أنيق مبهج للدراما المحترمة التي تجسدت في المخرج الكبير الأستاذ (حسني صالح) في مسلسل قلع الحجر ج2 حيث ركز على موضوعات هادفة تمس عصب المجتمع وصور الحياة، ومشكلات الناس، مثل الاتجار بالسلاح، وتسليط الضوء على الأزمات التي تواجه الأسر الصعيدية، بما في ذلك تسلط الوالدين على حياة أبنائهم والتدخل في اختياراتهم، وفرض عليهم آراء وقرارات غير مناسبة، إضافة إلى رصد قضايا حقوق المرأة ومعاناتها في الصعيد، وعلاج القضايا الاجتماعية الشائكة المرتبطة بالصعيد.. يقول أحد المعلقين: شاهدت في الحلقة الثالثة من -قبايل الصخرة- حوارًا يؤصل للقيم النبيلة والأخلاق الحميدة كوقوف الزوجة الى جوار زوجها في مصيبته وهي قتل ابن له من زوجة اخرى حتى وإن كان القتيل ابن ضرتها ومحاولة أب تغيير عادات تحكم المجتمع الصعيدي مثل إكراه البنت على الزواج ممن تريده القبيلة وليس ممن تريده هي .. ودعوة إلى نبذ العنف في العادات الصعيدية.
جاء كل ذلك وفق حبكة درامية مبدعة تعبر وتليق باسم المخرج الكبير.. أمثال (حسني صالح) بما يقدمون من فن هادف أصيل هم وحدهم من يعرفون معنى مصر ويقدرون اسم مصر ومكانة مصر، ويعملون على إزكاء أصالتها وإكرام حضارتها والاعتزاز بطبيعة وجوهر ومعدن شعبها الكريم.. ولا ننفي أن الظاهرة الشاذة التي مثلها وقام ببطولتها المخرج محمد سامي أضرت بهذه الجواهر النفيسة ممن يخدمون مصر بفنهم وأعمالهم قبل أن يخدموا مصالحهم وشخوصهم.. وجعلت ذوق الغوغاء يطغى ويسود وينتشر ويجد صداه الذي سرعان ما أفاقت له القيادة السياسية هذه الأيام ولكن للأسف بعد فوات الأوان.
ولكن خيرا خيرا.. فلأن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي.. ويقيني أننا نحتاج إلى جهاد كبير تتشارك فيه كل القوى المجتمعية الرسمية والأهلية، لمسح هذا العار الذي بلينا به على يد هذا المخرج الظاهرة، ومحاولة علاج ما أفسده من معالم مجتمعنا وحياتنا وطبيعتنا.
مصر تحتاج إلى تكاتف الجميع لتصحيح المسار مرة أخرى وإنقاذها من غرق التردي الخلقي الأخلاقي الذي زج بها فيه المخرج المُعتزِل.