-----------------
قال لي يوما: إنه لا يحب الاقتراب الزائد لأنه يؤمن أن القرب يولد الشقاق والنفور والمشكلات.
وهذا فعلا حقيقي وقد قرأت عنه كثيرا، فقد قيل مرة: ما رأيك في القمر؟
لا شك أنك من بعيد تراه قمرا منيرا.
ثم ماذا بك لو اقتربت منه؟ ماذا تجده؟
لابد أنك تجده مجرد صخور ورمال، ولم يعد هذا القمر المضيء الذي كنت تراه من بعيد.
كذلك قال أحدهم: إن علاقتك بالآخرين مثل السيارة التي تتقدمك، كلما اقتربت منها، كلما كانت فرصة الصدام محققة.
وكلما ابتعدت عنها بمسافة كافية، كان الأمان من الصدام والارتطام موجودا.
والحق أن هذه النظرة سليمة لا شك فيها، لكنها في ذات الوقت معلولة بعض الشيء، فنحن كبشر نحتاج إلى الأنيس والجليس، ولا يمكن أن نسير في الحياة بلا صديق نلوذ به ونأنس بوجوده، نحكي له همنا، ونبثه أحزاننا.
وقد قيل: " الاقتراب الشديد من الجميع قد يغرس أشواكهم فينا، ويغرس أشواكنا فيهم، والبعد عنهم أيضا يفقدنا الأمان والدفء ويجعل الحياة قاسية ومريرة، فنحن دائما في حاجة أن نتلامس مع الآخرين، ولكن بغير التصاق شديد يفتح أبواب المتاعب، ويحجب الرؤية ويشوش السمع"
ومن ثم كان لابد من الاعتدال والاتزان في العلاقة، فليس معنى أنك تخشى الصدام والمشكلات وانهيار العلاقات، أن تبتعد كلية، وتهجر الجميع، وتعيش معزولا عنهم.
بل لا بد من القرب أحيانا مع والاختلاط أحيانا مواءمة لطبيعة الإنسان.
كل ما عليك أن تنتهج منهج الاعتدال والتوازن في علاقتك بالآخرين، فلا تتحفظ كثيرا ولا تنزلق كثيرا.
قالوا قديما: خير الأمور الوسط.
ولقد ضرب أحدهم مثلا بالميكرفون، فأنت إذا ألصقت شفتيك به وتحدثت فيه، خرج الصوت مشوشا غير مفهوم، وإذا أبعدته قليلا عن فمك خرج صوتك واضحا، وإذا أبعدته كثيرا، جاء صوتك كالفحيح لا يميزه أحد"
فأنت إذن تحتاج إلى الرفقاء الذين يهتمون بأمرك وتبثهم شجونك، وفي ذات الوقت تحتاج إلى أن يكون لذك عالمك الخاص وذاتيتك المنفردة، التي لا يقترب منها إلا من تسمح له وتشعر معه باطمئنان، لكن لا تبتعد وتعتزل.. فقط اعتدل وتوازن.