صرخة وردة
في عقر الخراب، حيث رقص الموت على الأنقاض، نهضت فلسطين كصرخة. صدرها أنين أمهات ثكالى، وعيناها بحرٌ لم يجفّ، تستدعي الغيث لإطفاء لهيب ثأرٍ في الحنايا.
جذورها، ممتدة عميقًا في ترابٍ ارتوى بالدم، تشبّثت بكلّ حجرٍ تهاوى، لتنبت أشجار صمودٍ. أغصانها أذرعٌ تلتفّ حول صغارٍ دفنتهم الحجارة. خلفها، حشودٌ من الأشباح تهمس صرخاتها، ترجو فجرًا بعد ليلٍ طال.
في الأفق الملبّد، مزقت طائرة نفاثة صمت الليل بقنابلها، لكنّ صرخة فلسطين كانت أعلى. اخترقت الهدير، هزّت أركان السماء، لتصل مسامع العالم الأصمّ. كانت صرختها الأخيرة قبل أن تتلاشى في رماد الأنقاض، لكنّ صداها ظلّ محفورًا في قلوب الأحرار: فلسطين ليست أرضًا، بل قضية، صرخة حقٍّ لن تموت.
وفي سكونٍ مفاجئ، من بين الركام، انبثقت وردة حمراء قانية. كلّ ورقةٍ فيها قطرة دمٍ، كلّ بتلةٍ صرخةٌ لم تمت. رفرفت في مهبّ الريح، همست في آذان الصمت: "الجسد رحل، لكن القضية باقية. لن نموت، ما دام فينا نفسٌ ينبض بالحقّ".
وهنا كانت المفاجأة، لم تكن الوردة نبتة... بل عين طفلةٍ برقت تحديًا، قبضت بيدها الصغيرة على شظيةٍ، رسمت بها على الجدار المحطّم كلمة "صمود". لم تكن فلسطين مجرد اسم لامرأة بكت ثم تلاشت؛ بل أجيالٌ تتوالد من رحم المعاناة، تحمل شعلة الأمل، وتصرخ في وجه الظلم: "كانت أنا!"
ظل السنابل
عدتُ من حقولٍ صامتة، أجرجرُ خطوي وراءَ شفقٍ نازفٍ على الأفق. وحدي، إلا حفيفٌ خادعٌ يهمسُ باسمِه من قاعِ البئر. ليلُ الفقدِ يخنقُ روحي. فجأةً، لمعةٌ خافتةٌ: عينايَ تعكسانِ نجمةً وحيدةً سقطتْ من سماءِ الذاكرة. لم تكنْ نجمةً، بل أثرُ قدمٍ صغيرةٍ غرقتْ في طينِ النسيان.