تسللَ عشقٌ، كمطرٍ يروي يباسَ الروحِ الباردة. عيناها ليلٌ سديميٌّ، نُسِجَ من فتاتِ النجوم، أوقدتا فيَّ لظى شوقٍ مقيم. لهفةٌ حادةٌ، كشرارةٍ تلتهبُ حقولَ الحنطةِ الجافة، أيقظت نهمَ الالتحامِ، دفعتني إلى هاويةٍ لا عودةَ منها.
ما إنْ ذابت شفتاها كقطعةِ ألقٍ فوقَ شفتيَّ العطشى، حتى تهاوتْ روحي في اكتمالٍ موجع. لم يكن ذاك العشقُ وميضاً؛ بل ابتلعني كليًا، تسرّبَ كوشمٍ خفيٍّ لكلِّ وشيجةٍ في نسيجي الواهن. كأنني أُبعَثُ لأحتضرَ، لا لأحيا؛ لأتلاشى وأندثرَ في صداه.
لكن، مع انبلاجِ فجرِ ذلك الفناءِ، تجلّى الخواءُ الحقيقيُّ. لم يسكن فيَّ قط، بل في قبضتي المرتجفة التي لم تمسك يوماً سوى سرابٍ. كانت تلكَ اللهفةُ رقصةً أخيرةً لشبحٍ، أنين وهمٍ عملاق؛ شمسٌ كاذبةٌ تبخّرتْ بآخرِ نفَسٍ فيها، تاركةً سماءً من رمادٍ، وقلباً لم يعرفْ يوماً سوى صقيعِ عدمي الخاص. يدي هي التي أمسكتْ بي، وضلوعي احتضنتْ فراغي، وعيناي رأتا الخواءَ... وحدي كنتُ هناك، لا سواي.