انتصبت خشبة الإعدام، كصليب عارٍ تنبعث منها رائحة الموت. ثلاثة رجال، لفّهم البياض، وقفوا مستسلمين، أيديهم مكتوفة. على بعد خطوتين، جنديٌ ملثّم، كتمثال صامت، يمسك بندقيته الخرساء.
أمامهم، الضابط بزيّه الأخضر القاتم، نجوم باهتة فوق كتفيه. وجهه الخفي يشي بقلب متحجر، ونظرته خالية من أي شفقة. رفع يده في إشارة حاسمة، فتوقفت أنفاس السكون، وتلجلجت حبات الرمل تحت وطأة الخوف.
فجأة، همس صوت خافت من أحدهم: "أيها الضابط... ألا تتذكر؟"
ارتجف الضابط كملسوع وتحول ببطء، متتبعًا الصوت بعينين مذعورتين. تلك اللحظة تجمد فيها المشهد؛ لم تكن في عينيه قسوة جلاد، بل ارتباك ابن يتعرف على أبيه بين المحكوم عليهم.
انقطع الخيط الرفيع بين الواجب والدم. صدمة لا تمحوها الرمال، ولا يطويها النسيان. انتهى كل شيء، لا بالشنق الجسدي، بل بشنق الروح. فالموت بدأ لتوه، في قلب من لم يدرك أن جلّاده كان ولده، وقبل أن يدرك أن اليد التي سترفع حبل المشنقة، كانت يومًا تمسك يده الصغيرة لتعلمه المشي.