الصقيع يلف كف علاء، يجمده حتى يكاد لا يشعر بيده. رفعها ببطء لتلامس الزجاج العاكس، الذي يتلألأ كمرآة جامدة تعيد إليه وجه البرد. تجمدت أنفاسه على السطح، فتشكل ضباب أبيض أخفى ملامحه المتعبة. خلف البلور، كانت دمية بعينيها الزرقاوين تبتسم ابتسامة باردة لا تتغير، وكأنها شاهد صامت على يديه المرتجفتين، وعلى أمل يجمدّه الشتاء.
مر موكب الطفولة الدافئة أمامه. لمعت حقائبهم الجديدة، ابتلعت الضوء، وألقت بظلال ضحكاتهم على عوزه. انحنى، يمرر أنملته على صفحة بيضاء من كتاب ممزق وجده على الرصيف، تتوقف حركتها عند سماع وقع خطوات ثقيلة. وضع الكتاب ببطء، وعاد إلى واقعه؛ قماشة قديمة تنتظر أن تلمع بها الأحذية.
على حائط عتيق، رأى صورة طفل يبتسم. أخرج قلمه، وخط على وجه الطفل خطا متعرجا كعلامة على يده. في إصبعه، يتلألأ خاتم ذهبي، يلمع أكثر كلما قبل كف رجل. قطعة من النقود تلمع في يده، ثمن كرامة يعيده إلى البيت.
انحنى علاء على الحائط. خط بخط خفي لا يراه أحد: "لست بحاجة إلى كفيل، إنما إلى معلم". ثم دس يده التي تحمل الخاتم في جيبه، كأنه يغمر سرا يثقل كاهله.