كانت كل خطوة وشوشة شوكٍ تنغرس في لحمٍ غضٍّ، تُزهر دماً قرمزيّاً على بياضِ الأرضِ الموعودةِ. لم يكن الألمُ رفيق دربٍ، بل هو الدربُ ذاته، ممدوداً أمامي كأفعى حديديةٍ تلتفُّ حول أمنياتي. فوقي، كانت السماءُ تلبسُ غلالةً رماديةً، كأنها تثقلُ كاهلَ روحيَ المنهكةِ، بينما كانت أطرافيَ العليا تتلاشى في ضبابٍ أثيريٍّ، كأنها ترفضُ الانتماءَ لجسدٍ مثقلٍ بالقيود.
كلما ارتفعت قدمٌ، انحدرت أخرى، تاركةً خلفها أثراً من ندىً أحمرَ، يروي حكايةَ إصرارٍ أعمى. كنتُ أركضُ، أو هكذا كنتُ أظن، نحو أفقٍ لا يلوحُ، نحو حريةٍ لم أعرفها قط. صوتُ الشوكِ وهو يمزقُ الجلدَ كان نشيدَ رحلتي، وارتعاشةُ الجسدِ كانت إيقاعَ بقائي.
وعندما انبلجَ الفجرُ أخيراً، وارتسمتْ خيوطُ الشمسِ الأولى على الأفقِ، توقفتُ. نظرتُ خلفي، لأرى الدربَ الذي قطعتهُ، فوجدتُه يمتدُّ أمامي أيضاً، بلا نهايةٍ. أدركتُ حينها أنني لم أكن أركضُ نحو الحريةِ، بل كنتُ أدورُ حولَ نفسي، وأنّ كلَّ وخزةِ شوكٍ لم تكن إلا صدىً لوخزةٍ سابقةٍ، وأنّ هذا الجسدَ الممزقَ لم يكن سوى لوحةٍ رسمتُها بدمي، لأدركَ في النهايةِ... أنني لم أكنْ أركضُ قط.