على علياءٍ خاوية، اعتلى نزار عرشًا من السقالات المعدنية، قفصٌ بارد يطلّ على عالمٍ لم يعد يخصّه. يمسك بقارورة ماء متعرّقة، يمررها على وجهه المنهك دون أن يروي ظمأه. تتلألأ قطرات الندى على الزجاج كدموع شمسٍ غائبة، تنير وجهًا أضحى مرآة للفراغ. في الأسفل، اختلط صخب الحياة بهمسٍ بعيد، فلا شيء يثيره سوى صمتٌ ثقيل يلفّه كالكفن.
تسلّل بصره إلى الأسفل، حيث تتشابك البيوت كأوشام على جسد المدينة، والبشر أسراب نملٍ تائهة. لمح رجلاً يركض في شارعٍ ضيق، يسقط ثم ينتفض، ثم يواصل سباقه كأن شيئًا لم يكن. فجأة، رأى نزار في ركض الغريب انعكاسًا لعمرٍ قضاه في مطاردة سراب.
سقط ظلٌّ هائل يبتلع الألوان من كل شيء. رفع رأسه، فرأى الأفق يمتلئ بآلاف العروش الشبيهة بعرشه. آلاف الوجوه الشاحبة تمسح على جبينها بقوارير لا تروي.