يا صديقي، هل هناك أجمل من متعة الحياة الزوجية؟
أقسم لك أنني لم أكن أتصوّر يومًا أن الزواج بهذا القدر من الجمال والسكينة. كأنني عشت عمرًا ناقصًا لا يكتمل إلا الآن. يا للعجب! لماذا لم نتزوج منذ زمن بعيد؟ كم أضعنا من سنواتنا في متاهات العمل واللهث خلف الطموح، ونحن نظن أن العزوبية حرية وأن الوحدة قوة، فإذا بنا نكتشف أن كل ذلك لم يكن سوى وهم طويل.
الحلال جميل يا عزيزي، جميل لدرجة أن يوماً واحداً في ظل حياة زوجية صافية يساوي تلك السنوات كلها التي عشناها في عزلة. ما أبهاه من شعور أن تستيقظ وفي قلبك أنس، أن تجد من يشاركك تفاصيلك الصغيرة، من يُصغي إليك بصدق لا طمع فيه ولا مصلحة، من يواسيك في ضعفك ويشجعك في قوتك. أتعرف؟ أحيانًا أقول في نفسي: لو أنني تزوجت في عز شبابي، لكانت حياتي مختلفة تمامًا الآن. لكن سبحان الله، تأتي اللحظة متأخرة لتعلّمنا أن العمر لا يُقاس بالسنوات الضائعة، بل بما نحياه في صدق وهناء.
أتذكّر أنني طالما رددت على مسامعك: "تزوج، يا صديقي، تزوج"، لكنك كنت تُصر على التأجيل. كنت تملك كل مقومات الزواج؛ المال، الاستقرار، القدرة على تحمّل المسؤولية. حتى في أيام الجامعة كانت الفرص أمامك مفتوحة، وعُرضت عليك فرص حقيقية لم تكن تحتاج منك إلا الشجاعة والإقدام، لكنك رفضت. كنت تقول لي ساخرًا: "الذين تزوجوا، ماذا فعلوا؟" وكأنك كنت تحاول إقناع نفسك أن تأجيل الزواج حكمة.
لكن الحقيقة، يا صديقي، أن الزواج ليس رفاهية ولا مجرد عادة اجتماعية، إنه حياة جديدة بكل ما تعنيه الكلمة. هو مدرسة يومية نتعلم فيها معنى الصبر، التضحية، والتكامل. الزواج ليس فقط حبًا عاطفيًا أو مشاعر عابرة، بل هو إحساس عميق بالمسؤولية، راحة بال لا يعرفها إلا من يعيشها.
أنت اليوم على مشارف الخمسين، مثلي، والسنوات مضت كلمح البصر. تخيّل لو كنا تزوجنا في العشرينات أو حتى في الثلاثينات! كان يمكن أن نرى أبناءنا يكبرون أمام أعيننا، كان يمكن أن نعيش مرحلة الشباب بقوة مضاعفة، شباب الروح والجسد معًا. لكننا تأخرنا، ربما لأننا انشغلنا بأحلام لم تمنحنا سوى التعب، وربما لأننا صدقنا أن العمل والنجاح يغنيان عن دفء الأسرة.
أتعرف ما الأجمل؟ أن الزواج لا يمنحك فقط أنيسًا لروحك، بل يفتح لك أبواب المستقبل بمعانٍ لم تكن تراها. الإنجاب – على سبيل المثال – ليس مجرد استمرار للنسب، بل هو امتداد لذاتك، قطعة من قلبك تسير على الأرض، حلمك الصغير الذي يكبر أمامك يومًا بعد يوم. أما راحة البال، فهي أغلى ما يُهدى للإنسان، ولا تتحقق إلا حين تشعر أن هناك من يشاركك الطريق ويقسم معك الحمل.
لقد كنا نحسب أننا أحرارًا في العزوبية، لكن الحقيقة أن الحرية المطلقة وهم، والوحدة استنزاف. العمل يملأ الجيوب، لكنه لا يملأ القلوب. المال يبني البيوت، لكنه لا يزرع الأنس فيها. قد تنجح في إدارة شركة كبرى كمحاسب بارع، تدير الأموال وتنفقها، لكنك لا تدير قلبك ولا تمنحه حقه من الطمأنينة.
يا صديقي، الزواج ليس كماليات، بل هو ركن من أركان استقرار الإنسان. وما أجمل أن نصل إلى هذه الحقيقة ولو متأخرين. فالعمر قد يضيع في انتظار اللحظة المناسبة، لكن اللحظة التي تأتي أخيرًا تُعادل كل ما مضى.
لهذا، أقولها لك بصدق: لا تتأخر أكثر. تزوج الآن، لا تُصغِ لصوت التردد ولا لظلال الماضي. فالحياة تبدأ من جديد حين تجد من يمسك يدك ويقول لك: "أنا معك"، عندها فقط تدرك أن كل السنين السابقة لم تكن إلا مقدمة لفرح حقيقي.