هل سيستجيب القائد العام للقوات المسلحة السودانية، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، لنداءات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي الذين طالبوا القيادة العليا للجيش بوضع أسس واضحة لقبول وعودة الذين يرغبون في الانضمام مجددًا إلى صف الوطن، بعد أن قضوا فترة إلى جانب قوات الدعم السريع الإرهابية، وشهدوا خلالها انتهاكات ومجازر وبطشًا ونهبًا وترويعًا لعدد كبير من مناطق السودان المختلفة؟
هذه المطالب جاءت حتى لا يفلت أولئك من العقاب والمساءلة، ولضمان أن تكون العودة إلى حضن الوطن مقرونة بالعدالة، لا بالعفو المطلق فقد شهدت الفترة الأخيرة عودة عدد من أبناء الشعب السوداني الذين انضموا إلى معسكر التمرد، وقاتلوا ضد القوات المسلحة والمواطنين في مرحلة كانت فيها الدولة في أمسّ الحاجة إلى من يقف في صفها. حينها، فتحت القوات المسلحة أبوابها لكل من يملك القدرة على القتال دفاعًا عن الأرض والعرض، بغضّ النظر عن انتمائه السياسي، طالما اختار بإرادت الإنضمام إلى صفها والتوشّح بزيها وحمل رايتها. أما الذين سلّموا أنفسهم في ميدان المعركة، فلم يُواجهوا بانتقادات، لأنّ واقع الميدان يختلف كثيرًا عن الواقع السياسي. غير أنّ من يأتي اليوم، والقوات المسلحة في أقوى حالاتها، يجد نفسه أمام أعين الجماهير وأسئلتهم المشروعة، خاصة إذا كان ممن كان لهم تأثير ميداني واضح أثناء وجودهم في صفوف المتمردين وماراج مؤخرًا حول تسليم (بقال) أعاد النقاش إلى الواجهة. فالبعض ربط ذلك بتسليم القائد (كيكل)، ورأى في ذلك أحقية لبقال في العودة إلى حضن الوطن كمواطن، وربما كمقاتل في صفوف القوات المسلحة. بينما استنكر آخرون ذلك، معتبرين أنّ عودة كيكل نفسها كانت محكومة بأجندة خاصة تعرف تفاصيلها أجهزة الاستخبارات العسكرية، ولا يحق لأحد الخوض فيها ما دام أن نتائجها جاءت إيجابية في ميزان الميدان. والمؤكد أنّ كيكل عاد في أوج قوة الدعم السريع، وأنّ عودته تسببت في تصدّع داخل مجموعاته العسكرية وحاضنته الاجتماعية بشرق الجزيرة، مما يعكس حجم الانهيار الذي أصاب المليشيا عقب تسليمه. وقد أحدثت تلك الخطوة تحوّلًا نوعيًا في ترجيح كفة القوات المسلحة، حتى تصريحات بعض قادة الميليشيا تأكد تأثير تسليم كيكل وقال أبو شوتال: "كيكل أراد أن يُنهي وجودنا جميعًا، عزمني فطور في تمبول يوم الجمعة وسلّم يوم السبت!" من هذا السرد نخلص إلى أنّ المرحلة تقتضي مواجهة الحقيقة بصدق وشجاعة. فمنذ أن اخترنا صفّ القوات المسلحة السودانية، اخترناه بإرادتنا الكاملة وإيماننا بأنها القوات الرسمية للدولة، مهما كانت الظروف. ولهذا، من حقّنا أن نطالب القيادة العليا للجيش بوضع أسس ومعايير واضحة لتنظيم تسليم المتمردين، تراعي وزنهم الميداني ونشاطهم وتأثيرهم في فترة انضمامهم للمليشيا. هذا الإجراء بدوره يسهل عمليات التحقيق والمساءلة في الجرائم التي قد يكون بعضهم ارتكبها، مع ضرورة وضع ضوابط مرنة ومعقولة للتسليم، بحيث لا تسمح بأن يفلت أي شخص من المحاسبة إن ثبت تورطه في جرائم ضد الإنسانية، خصوصًا وأن هناك فيديوهات موثقة تُظهر مشاهد ذبح وقتل للمواطنين. كما ينبغي وضع كل من سلّم نفسه أو رغب في التسليم تحت الرصد والمراقبة في حال لم يُقاتل بعد ذلك في صفوف القوات المسلحة، وذلك لضمان حق الضحايا وحماية العائدين أنفسهم من أي أعمال انتقامية قد تستهدفهم من ذوي الضحايا أو المجموعات المتضررة نحن نؤمن أن الحقيقة لا تُواجه إلا بالحقيقة، وأنّ الاعتراف والعدالة هما الطريق الوحيد لتحقيق المصالحة الوطنية وحماية مستقبل البلاد. فمهما كانت النتائج، فإنها ستصب في مصلحة الوطن والخير العام.





































