عفوًا سيدي الحجّاج، كلابك والأفاعي الحائمة من روتانا إلى أمواج، لم تكن مجرّد كلمات صدح بها الشاعر الجميل أزهري محمد علي في لحظة عابرة أو أمام نفرٍ من الشباب، بل كانت رؤيةً عميقة تختزل خيبات وطنٍ بأكمله. لم تُكتب لتدين نظامًا بعينه، ولا لتُوجَّه لحكومة محدّدة، بل جاءت لتعبّر عن فشل الحكومات التي تعاقبت على حكم السودان، مدنية كانت أم عسكرية.
لقد شاهدنا عبر المنصّات والمنابر كيف يستشهد دعاة الأحزاب المدنية بأبيات هذه القصيدة، فيجعلون منها جزءًا من خطابهم السياسي. والسبب أن هذه الكلمات أشبه برواية تختزل الماضي والحاضر معًا، وتُقدِّم تحليلًا دقيقًا للواقع المأزوم الذي نعيشه اليوم. كأنّ القصيدة قد كُتبت للتو لتصف ضعف الحكم المدني منذ فجر الاستقلال، مرورًا بالديمقراطيات الأولى والثانية، حيث ظلّت الوجوه ذاتها تتكرّر، وإن تلوّنت بدماء جديدة، إلا أنّها لم تخرج عن كونها نسخًا متشابهة تبحث عن الكرسي وتتشبّث بالسلطة، دون أن تبذل جهدًا حقيقيًا للبقاء عبر العمل الجاد.
إنّ من أراد الاستقرار في الحكم، لا بد أن يُهيّئ الأرضية الصلبة التي تقبل وجوده، وإلّا فإنّ رياح التغيير ستقتلع كرسيه عاجلًا أم آجلًا. القيادات –قديمة كانت أو جديدة– لم تسعَ يومًا إلى تهيئة المناخ السياسي والاجتماعي بما يكفل لها البقاء، بل اكتفت بسطوة الكرسي وعشق السلطة.
الحكم ليس تسلّطًا على إرادة الناس، بل هو تفويضٌ منهم، مشروطٌ بتحقيق مطالبهم واحترام تطلّعاتهم. فإذا أراد الحاكم أن يستقر، فعليه أن يفهم أنّ احترام الجماهير والعمل على تلبية احتياجاتهم هو المدخل الحقيقي للاستمرار، والأساس المتين الذي يُحصّنه من المقاومة والسقوط. فما دام الحاكم يفعل ما يريده الشعب، لن يجد في وجهه إلا القبول، بل وربما المساندة.





































