مع مرور الأيام أدركت أن الشهرة ليست كلمة جوفاء ولا لقبًا يوزَّع عشوائيًا على من نال حظًا من الظهور، بل هي حالة إنسانية مركبة، تجمع بين الأضواء والظلال، بين الانبهار والخذلان. من السهل أن ننظر إلى الشهرة على أنها مجرد صورة تُعلّق على جدار أو متابعة على وسائل التواصل، لكن من يتأمل بعمق يدرك أن وراءها رحلة طويلة من السعي والتجارب والأخطاء والنجاحات.
في مجتمعاتنا كثيرًا ما يُختزل الحديث عن المشاهير في النقد الجارح أو في حملات التقليل من شأنهم. والحق أني لم أكن أعبأ بهذا من قبل، غير أنني لاحظت أن بعض الناس يجعلون التقليل من الآخرين حرفة يومية، يتدربون على أساليب الهجوم والسخرية، بدل أن يوجّهوا طاقتهم إلى تنمية ذواتهم أو صقل مهاراتهم. وهذا في نظري قمة السذاجة، أن نهدر أعمارنا في محاكمة الآخرين، بينما الأجدر أن نبني أنفسنا ونبحث عن طرق لترك أثر إيجابي في الحياة.
فالإنسان لم يُخلق ليعيش وحيدًا أو ليصوغ مساره بمعزل عن محيطه؛ نحن جميعًا أبناء بيئة واحدة، وتجارب متشابكة. ومن أراد أن يبلغ شيئًا من الشهرة، ولو في نطاق محدود، فعليه أن يستثمر وقته وجهده بذكاء، ويستغل كل الإمكانات المتاحة، ويُفعّل قدراته الذاتية وخبراته الحياتية، ليصنع بصمة تبقى حتى لو اختلف الناس حولها بين قبول ورفض.
أذكر أنني صادفت يومًا مجموعة من الشباب، أولادًا وبناتًا، يتجمهرون حول رجل بدا لي عابرًا. سألـت بدهشة: من هذا؟ فإذا بي أُقابل بضحكات ساخرة: "ألم تعرفه؟ إنه أفضل ممثل في المنطقة!" ثم اندفعوا يروون لي عن أدواره وبطولاته كما لو كانوا شهودًا على مسيرته. عندها تساءلت: ما الذي جعل هذا الرجل يسطع اسمه إلى هذا الحد؟ بالتأكيد لم يكن طريقه معبّدًا بالورود؛ لا بد أنه مرّ بنقد قاسٍ وهجوم شرس، لكنه مضى في طريقه مؤمنًا أن الإبداع الحقيقي لا يُقاس بعدد الانتقادات، بل بقدرة الفكرة على الوصول لمن يستحقها.
وبينما أراقب الموقف، وجدت نفسي أرفع هاتفي لألتقط له صورة، ثم نشرتها على صفحتي في وسائل التواصل. ولم تمضِ لحظات حتى انهالت التعليقات: بعضهم اتهمني بأنني أبحث عن شهرة رخيصة، وآخرون رأوا في فعلي نوعًا من "التدلل للمشاهير"، فيما وصف آخرون الأمر بأنه "حملة مصطنعة لممثل لا يستحق". حتى إن البعض زعم أن الرجل يدفع أموالًا ليُروَّج له.
حينها أدركت أن الجماهير كالبحر: لا يمكن ضبط أمواجه. فهي قادرة على أن ترفع إنسانًا إلى القمة، ثم تنزله في لحظة إلى الحضيض. تتقلب الآراء بسرعة، وتتشكل المواقف أحيانًا على أهواء عابرة. ومع ذلك، يبقى الثابت الوحيد أن الموهبة الأصيلة، حين تتغذى بالاجتهاد والإخلاص، قادرة على الاستمرار مهما علت الأصوات الناقدة.
إن سرّ الصمود أمام هذا الضجيج هو أن يحب الإنسان مهنته حقًا، أن يعشق ما يقدمه، فيبدع فيه بلا تكلّف. فالموهبة وحدها لا تكفي، ولا النقد وحده يكسر صاحبها؛ بل الذي يقرر مصير كل تجربة هو مقدار ما يُضاف من صدق، وإخلاص، وتطوير دائم للذات. عندها يصبح أثر الإبداع ممتدًا، لا تحدّه حملات التشويه ولا يُلغيه تقليل الآخرين.
وهكذا، خرجت من تلك التجربة بقناعة راسخة: الشهرة ليست غاية، بل نتيجة طبيعية لرحلة صادقة. ومن أرادها حقًا، فليوجه جهده نحو الإبداع، وليدع الناس يقولون ما يشاؤون. فالأثر الذي يُترك في القلوب هو وحده الحكم العادل في النهاية.