في عالم الدواء تحدث غرائب فقد تتحول الزيادة إلى نقصان و يتحول الشيء لضده و يتحول صديق اليوم إلى عدو الغد. و دائماً أبداً لا يوجد خطأ مطلق ولا صواب مطلق و ما يطلق عليه "التعود على الدواء/ drug tolerance" هو أحد هذه الأمثلة.
التعود على الدواء " drug tolerance " هو ظاهرة تحدث عند تناول بعض الأدوية ولها أسباب متعددة و بالرغم من اختلاف أسبابها لكن يبقى العامل المشترك هو قلة فاعلية الدواء بمرور استخدامه و الاحتياج إلى زيادة الجرعة المستخدمة كلما مر وقت على استخدام الدواء و قد تؤدي هذه الظاهرة إلى فقدان الدواء التام لمفعوله. وهذه الظاهرة لا تحدث مع كل الادوية ولكن مع بعضها فما هي أهم اسبابها و امثلتها و هل يعتبر حدث ضار على المطلق أم من الممكن أن يكون مفيدا في بعض الأحيان.
س١- ما هي أهم أسباب ظاهرة التعود على الدواء؟
ج١-
١-بعض الأدوية لديها القدرة على تحفيز بعض الإنزيمات في الجسم المسئولة عن التخلص من هذا الدواء ( CYP450 autoinducers) و من الأمثلة الهامة لهذه الأدوية دواء التجريتول ( carbamazepine ) المستخدم في علاج الصرع و بعض انواع آلام اعتلال الاعصاب مثل ألم اعتلال العصب الخامس ( trigeminal neuralgia ) و بعض الامراض النفسية ( مثل Bipolar disorders) و بالتالي يحتاج العلاج به ( إذا كان العلاج يستلزم تناوله لفترة تزيد عن عدة أسابيع )؟إلى زيادة الجرعة كل فترة نتيجة زيادة معدل تكسيره بمرور استخدامه و تستمر الحاجة إلى زيادة الجرعة كلما مر وقت أطول على استخدامه. مثل هذا الدواء يصعب استخدامه منفرداً في علاج أمراض مثل الصرع و الذي يحتاج علاجه إلى علاج يومي مستمر و وجود جرعة كبيرة مستقرة نسبيا في الدم ، بينما يمكن استخدامه منفرداً في علاج الامراض التي يمكن علاجها لفترات زمنية قصيرة ولا تحتاج الى وجود تركيزات كبيرة من الدواء في الدم ( مثل trigeminal neuralgia ).
٢- يأتي سبب آخر هام لحدوث التعود على الدواء هو احتياج بعض الأدوية ( لكي تؤدي مفعولها) إلى وجود مواد معينة يتم تصنيعها في الجسم بكميات محددة و يصبح الدواء بلا أي مفعول إذا انتهت هذه المواد و بالتالي اذا تم إعطاء الدواء بصفة يومية مستمرة ستنتهي هذه المواد ويفقد الدواء تماماً مفعوله. و من الأمثلة المشهورة لهذه الأدوية هو دواء الnitrates ( مثل دينيترا ، أيزورديل ..) المستخدمة في علاج قصور الشريان التاجي للقلب والموجود في صور اقراص للبلع او لازقات على الجلد ( transdermal patches) و هذا الدواء اذا تم تناوله بصفة تؤدي إلى وجوده يوميا في الدم بنفس التركيز العلاجي قد يؤدي هذا الى فقدان مفعوله تماما لذلك يتم اعطاؤه بطريقة تضمن عدم وجوده في الجسم لساعات طويلة يوميا اي اعطاؤه بطريقة تسمى “ Nitrate holidays " فيتناوله المريض كقرص واحد يوميا كافي لوجوده لساعات محدودة يومياً في الدم لإعطاء وقت كافي لتصنيع المادة التي يحتاجها الدواء للعمل ، واذا كان يتم اعطاؤه كلازقة على الجلد فيتم وضعها لفترة و عدم وضعها لفترة و هكذا .ويجب التنبيه على المرضى بهذا حتى لا يفقد الدواء مفعوله و.
٣- سبب آخر للتعود على الدواء هو حدوث تغيير في المستقبل ( receptor) الذي يعمل عليه الدواء ( change in receptor number or structure ) و في هذه الحالة يكون الحل لاستمرار الاستجابة للدواء هو زيادة جرعته بصفة مستمرة إلى أن نصل لنقطة حدوث تغيير تام في المستقبل و يكون الحل الوحيد لهذ النوع من التعود هو تغيير نوع الدواء من وقت لآخر و يحدث هذا خاصة في أدوية علاج الألم ( التي يفضل تغيير أنواعها من فترة لأخرى ) و العديد من الأدوية المستخدمة في علاج الأرق و الاكتئاب حيث في بعض الأحيان تفقد بعض ادوية مضادات الاكتئاب ( مثل الSSRIs مفعولها) مما يلزم تغيير نوع الدواء بين حين و آخر.
س٢- كل ما ذكر من الأمثلة السابقة هي أمثلة سلبية لمشاكل ناتجة من ظاهرة تعود الجسم على الدواء و يأتي السؤال هل توجد أمثلة إيجابية لهذه الظاهرة ؟
ج٢- كما يمكن أن يرد على الأذهان فالاحتمال الوحيد لإيجابية ظاهرة التعود على الدواء هو عندما تكون هذه الظاهرة السبب في اختفاء أو تقليل الأعراض الجانبية للدواء بمرور الوقت ؛ أي ان التعود حدث ليس للمفعول الدوائي ولكن حدث للأعراض الجانبية للدواء و خير مثال لذلك هو التعود على الأعراض الجانبية لدواء السكر المعروف بالmetformin( جلوكوفاج) حيث ان الاعراض الجانبية على الجهاز الهضمي التي يسببها هذا الدواء تقل باستمرار استخدام هذا الدواء.
س٣- هل يمكن ان يحدث تعود لأحد مفعولات الدواء او أحد الأعراض الجانبية ولا يحدث لآخر ؟
ج٣- نعم و خير مثال على هذا مسكنات الألم من نوع المورفين و ما شابه فيحدث بمرور استخدامها تعود لمفعولها المسكن للألم والذي يلزم زيادة الجرعة للوصول لنفس درجة تسكينها للألم ، كما يحدث تعود لبعض أعراضها الجانبية ( مثل تثبيطها للتنفس حيث تزيد الجرعة التي قد تؤدي إلى مشاكل في التنفس بمرور استخدام هذه الأدوية) . بينما لا يحدث تعود للامساك والذي يعتبر من الأعراض الجانبية لهذه الأدوية التي يعاني منها المرضى الذين يتناولون هذه الأدوية و التي لا تقل بمرور استخدامها.
س٤-أخيراً هل يمكن إعطاء دواء لشخص و يكون هذا الدواء خالياً من المفعول أو مفعوله ضعيف و ذلك بالرغم أن هذا الشخص لم يتناول الدواء من قبل ؛ أي هل يمكن أن يكون التعود على دواء معين طبيعياً و غير مرتبط بإعطاء الدواء من قبل؟
ج٤- نعم و يسمى التعود الجيني " genetic tolerance " ؛ و ذلك يحدث اذا كان الشخص عنده فرط في نشاط الانزيمات المسئولة عن التخلص من الدواء، و يطلق على هؤلاء ما يسمى “ ultra rapid metabolizes" لبعض الأدوية و إذا تم اعطاؤهم هذه الادوية تكون بلا فائدة علاجية من اول يوم لاعطائها و من الامثلة الشهيرة للتأثر بهذا النوع من التعود بعض مضادات الاكتئاب التي تنتمي لنوع الSSRI و ال SNRI حيث يتم التخلص من هذه الادوية بانزيم يسمى CYP2D6 او CYP2C9 و بالتالي اذا كان مريض الاكتئاب يعاني من فرط اي نشاط هذه الإنزيمات فيتم تكسير الجرعة العلاجية و بالتالي تفقد مفعولها ولا يكون لها فائدة علاجية و الحل الوحيد يكون في استبدال هذه الأدوية بأدوية أخرى لا يتم تخلص الجسم منها بواسطة هذه الأنزيمات ؛ مثال هو استبدال دواء ال venlafaxine ( إفيكسور) أو الduloxetine ( سيمبالتا) بدواء الdesvenlafaxine ( فينلاتروب) حيث لا يعتمد الاخير في تخلص الجسم منه على انزيمات الCYP2C9 أو 2D6 و بالتالي يؤدي إلى فائدة علاجية في هؤلاء